ليست المرة الاولى التي تتلبد فيها المناخات بين "تيار المستقبل" وشريكه الأبرز في قمرة قيادة البلاد، "التيار الوطني الحر". أما الموضوع "الخلافي" فهو نفسه: محاولة جرّ لبنان نحو التطبيع مع النظام السوري وكسر سياسة "النأي بالنفس" لصالح محور على حساب آخر في المنطقة، وفق الفريق الأزرق الذي عاد وزيره نهاد المشنوق أمس ليصوّب سهاما قاسية نحو السياسة الخارجية اللبنانية واصفا اياها بـ"الشاردة" وذلك على خلفية "تصويت لبنان في انتخابات رئاسة منظمة الاونيسكو للمرشح القطري لا المرشحة المصرية"، على حد تعبيره (فهذه المعلومات غير مثبتة)، قبل ان يصعّد محذرا من ان "التمادي في هذا الاتجاه السياسي يعرّض التضامن الحكومي لمخاطر جدية"، ومشيراً إلى أن "لا يمكن الاستمرار بسياسة الصدمة والإلزام والإرغام". وسرعان ما ردّ وزير الخارجية جبران باسيل على كلام المشنوق بكلام من العيار الثقيل قائلاً: "من لا تعجبه سياستنا الخارجية المستقلة هو المستتبع للخارج وغير المعتاد على العيش بلا تبعية، أما نحن فنعيش ورأسنا مرفوع".. فهل باتت التسوية الرئاسية فعلا في خطر؟ لا تنكر مصادر سياسية متابعة عبر "المركزية" أن ثمة كباشا قوياً في الداخل، يدور على حلبة "فتح قنوات التنسيق مجددا مع سوريا"، وهو قد يشتد كلما ارتفع منسوب التوتر الاميركي - السعودي مع ايران. الا انها تعتبر ان مفاعيل هذه المواجهة، ستبقى مضبوطة تحت سقف الاستقرار السياسي (والأمني أيضا)، بمعنى انها ستقتصر على تسجيل المواقف ورفع السقوف الكلامية، من دون ان تؤثّر على التسوية وما أنتجته سياسيا في شكل عام وحكوميا في شكل خاص. فالخلاف سيُمنع، بقرار مشترك من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس الحكومة سعد الحريري، من التسلّل الى طاولة مجلس الوزراء، وسيبقى، مهما علا ضجيجه، محصورا خارج أسواره. وتشير المصادر الى ان ما يعزّز التوجّه الرئاسي "الوقائي" هذا، الحرصٌ الخارجي والدولي على "الاستقرار" اللبناني" الذي لا يزال، بالنسبة الى العواصم الكبرى، خطا أحمر. وعليه، فإن الاشتباك الكلامي حول "التطبيع" مرشّح للاستمرار بين أهل البيت الحاكم، خصوصا مع تطاير أوراق الروزنامة السياسية واقتراب موعد الانتخابات النيابية في ايار المقبل، غير انه لن يصيب بشظاياه، لا التسوية الرئاسية ولا "المساكنة" الحكومية.
واذا كانت المواجهات بين "الأزرق" و"البرتقالي" باتت في الفترة الماضية عملة رائجة، وخلفياتُها وأبعادها معروفة، فإن ما يثير الاستغراب، وفق المصادر، هو فتحُ الوزير باسيل في الساعات الماضية، "جبهةً" مع "الحزب التقدمي الاشتراكي"، من باب "مصالحة الجبل"، معلنا خلال جولة له في قرى شوفية "ان العودة لم تتم والمصالحة لم تكتمل وقد آن أوان العودة السياسية التي يؤمنها قانون الانتخاب".. وتعقيبا، ترى المصادر ان مواقف رئيس التيار الذي استرجع مفردات من الماضي عن "حقّ أهل الجبل في معرفة مكان "عظام" ذويهم و"ترابهم"، إنما تأتي لشد عصب الناخبين "العونيين" في هذه المنطقة عشية الانتخابات النيابية، خصوصا في ظل التقارب بين القوات والاشتراكي (تكرس في زيارة رئيس القوات سمير جعجع لرئيس اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط منذ أسابيع). الا ان لا يمكن فصلها أيضا عن عشاء "كليمنصو" الشهير الذي جمع فيه جنبلاط، كلا من رئيسي مجلس النواب نبيه بري والحكومة في دارته. واذا كان المشاركون أكدوا في أكثر من مرة ان "هذا الاجتماع لا يستهدف أحدا وهدفه تدعيم الاستقرار الداخلي"، غير ان باسيل يبدو قرأ فيه محاولة لـ"محاصرة" رئيس الجمهورية وفريقه السياسي، عبر انشاء "جبهة" درزية - شيعية - سنية، بقي المسيحيون خارجها، فقرر الرد على محاولة "الاقصاء" هذه، من "عقر دار" الاشتراكي، الجبل، محذرا المعنيين في شكل غير مباشر، من أي توجهات من هذا القبيل.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك