حتى ملحم الرياشي، البارع بتدوير الزوايا، وبـ "الكثلكة"، لم يعد قادراً على الصمت كثيراً. لا تراجع عن "أوعا خيّك"، وهو صاحب الشعار، ولكن الملاحظات باتت كثيرة على العلاقات بين التيّار الوطني الحر والقوات اللبنانيّة، ولم يعد يجدي تكرار التبرير "حتى الإخوة بيختلفو".
لم يكد يُوزَّع موقف سمير جعجع، الزائر الرسولي على أوستراليا التي سيعود منها بلقب "سمير المؤمنين" ممنوحاً من ممثّل دار الإفتاء في بلاد الكانغورو، حتى أتى الردّ من مصدر في التيّار الوطني الحر. التسمية الأخيرة تعني، إن ترجمت من لغة التسريب الإعلامي، جبران باسيل. جاء الردّ قاسي اللهجة، وهي ليست المرّة الأولى. ليس صعباً على من قال إنّ الرئيس ميشال عون وصل الى الرئاسة من دون منّة من القوات اللبنانيّة أن يقول كلاماً قاسياً عن "الأخ". بعد ساعات سيأتي الردّ من جعجع، عبر المحيطات التي تفصل بيروت عن سيدني. وقبل ردّ "الحكيم"، "سيبلّ" بعض الناشطين من الحزبين أيديهم ببعضهم البعض عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
علاقة كدولاب الهواء، والريح تلفحها من كلّ جانب. يقول الرياشي، أحد صانعَي إعلان النيّات، إنّ الخلاف على أسلوب إدارة الدولة. عبارة تعني، إن تُرجمت أيضاً، أنّ الخلاف على كلّ شيء. لم يعد يجدي ترداد أغنية زين العمر إذاً.
لسنا هنا لنهلّل لما يسود العلاقة بين الحزبين، بل العكس. الحاجة ماسّة الى الترميم، لا الترقيع، وهي المهمّة التي قام بها الرياشي وشريكه ابراهيم كنعان. ترقيع من هنا، ثمّ يأتي تصريح ليعيد الهدم من جديد.
لا تستمرّ علاقة زوجيّة، إلا على التنازلات. على الشريكين في التحالف السياسي أن يتنازلا أيضاً. من حقّ "القوات"، مثلاً، أن تنال ما هو أكثر من عضو في مجلس إدارة كازينو لبنان، ما دام منطق المحاصصة ما زال سائداً، لا بل فات "فاقعاً" أكثر من السابق. والضروري، أيضاً، أن تُحيَّد هذه العلاقة عن العلاقات الأخرى التي يبنيها كلٌّ من الحزبين، فلا يصبح التقارب بين معراب وبنشعي، مثلاً، نكايةً بـ "التيّار"، ولا يتحوّل إرضاء حزب الله غير ممكن إلا بالدوس على رجل سمير جعجع الذي يسأله الكثير من أنصاره اليوم: ماذا جنَينا من هذا التحالف؟ والى متى تسكت وتراهن على "أوعا خيّك؟".
في وقتٍ يبحث فيه المسيحيّون عن طريق العودة الى الدولة كشريكٍ شرعيّ، ويجدون في كلّ شيء انتصاراً، حتى في مكعّبات الباطون التي تفصل بين طريقين في كسروان، الحريّ بالراغب بهذه العودة أن يترفّع عن الصغائر، وأن يكفّ عن أكل الجبنة، والتعبير أطلقه فؤاد شهاب "نظيف الجمهوريّة" على السياسيّين، أو، إن شاء الأكل، فليتقّبل أن يأكل أحدٌ معه. "ما حدا بياكل أكتر من شبعتو" والتعبير يصلح في السياسة أيضاً...
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك