"التسوية ما زالت صامدة... لكن الخلل الجسيم الذي يصيب بنيانها يصدّعها الى درجة تتهدد مستقبلها اذا لم يترجم رئيس الجمهورية العماد ميشال عون المقولة التي على اساسها تم تبني ترشيحه، فيكون على مسافة واحدة من الجميع ويشكل جسر عبور بين اللبنانيين لا العكس، والاهم ان يلتزم بالنقاط العشر التي شكلت منصة اطلاق ترشيحه من معراب". الموقف قواتي بامتياز يعبر عن جزء من الاحتقان الذي اصاب علاقة طرفي تفاهم معراب، وهو ولئن خرج القليل منه الى العلن في اطار الردود المبطنة، وآخرها لعضو كتلة القوات اللبنانية النائب انطوان زهرا من المجلس النيابي اليوم، اذ اعتبر ردا على وزير الخارجية جبران باسيل ان "البعض يحاول النبش في التاريخ ليجد لذاته مكانا، وممنوع المسّ بالانجازات التي صنعها كبار على رأسهم البطريرك نصرالله صفير"، فإن الجزء غير المعلن الذي يتردد داخل الصالونات السياسية القواتية يعكس حقيقة الواقع الذي بلغته الامور لاسيما حينما يدور الحديث حول مستقبل العلاقة اذا لم يصحح مسارها.
واذ تجزم مصادر قواتية عليمة عبر "المركزية" ان لا مواعيد لاجتماعات قيادية بين الجانبين حتى الساعة تفرمل تدهور العلاقة، تأسف لكونها غير مستقيمة، ولو ان الوزير باسيل وبعيد تلمّسه حجم الردود الوطنية على موقفه من المصالحة، تراجع مغرّدا اليوم "انا قلت في رشميّا واكرّر انّ المصالحة لا خوف عليها لأنها بين الناس وهي أقوى من ان تسقطها القوى السياسية، ولكن العودة لا تكتمل الا متى كانت نفسية وسياسية ادارية واقتصادية... وهي لم تكتمل بعد وهذه هي الحقيقة ونحن سنعمل بالمصالحة على استكمالها". وتقول: ان القوات تميز باستمرار بين المسائل ذات البعد الميثاقي التعايشي وبين التباينات السياسية لكنها ترسم خطوطا حمراء، في مقدمها عدم تحويل اي خلاف سياسي الى طائفي، وتبعا لذلك فإن لمصالحة الجبل بالنسبة اليها بُعدين، الاول ميثاقي يتصل بالعلاقة المسيحية- الدرزية التي طوت صفحة الماضي التاريخية منذ 1943، والثاني سيادي يتعلق برمزيتها الوطنية الكبرى التي أسّست لانتفاضة الاستقلال واخراج الجيش السوري من لبنان.
وتؤكد ان الدوائر المختصة في معراب تنظر بقلق الى مواقف مستغربة تصدر من التيار الوطني الحر على ثلاثة مستويات:
- اصرار الوزير باسيل على التأكيد ان انتخاب الرئيس عون كان مثابة "تحصيل حاصل" ودور القوات ثانوي. هذا قول يدرك القاصي والداني انه مجاف للحقيقة. فلولا ترشيح معراب للعماد عون لكانت طريق بعبدا فُتحت امام النائب سليمان فرنجية، في ظل تأييده من مثلث بري- الحريري- جنبلاط ودول خارجية وغض نظر اقليمي. لذا ترفض القوات تحريف التاريخ وتزوير الوقائع لمنطلقات شخصية وسياسية .
- الحديث عن ان القوات تريد حصصا غير صحيح اطلاقا. القوات لا تنكر ان ثمة اتفاقا على مناصفة فعلية لتحكم الواقع المسيحي ثنائية لا احادية، لكن حرصها لم يرتكز يوما الى قاعدة حصصية بل الى ارساء نموذج بكيفية ادارة الشأن العام ودخول مرحلة احياء نمط الرئيس فؤاد شهاب فيكون القانون والدستور المرتكز في اي قاعدة لممارسة الشأن العام. وما حصل في التعيينات القضائية لهو اكبر دليل الى ان ما جرى كان بعيدا كل البعد عن معايير الكفاءة ولم يلتزم الا بالمحسوبيات.
- ليست القوات اللبنانية من بادر الى موجة التصعيد ضد حزب الله ومحوره، صحيح انها شكلت رأس حربة المواجهة لاستعادة السيادة اللبنانية وستبقى، لكن دفع هذا الفريق في اتجاه التطبيع مع سوريا ثم لقاء الوزير باسيل مع نظيره السوري وليد المعلم وما نُسب للعهد من انه يؤيد السلاح، دفع الى التصعيد، والرهان معقود على الرئيس عون لتأكيد التزاماته وعدم جعل لبنان جزءا من محور يريد استهدافه وضرب كيانه.
وعلى رغم ما بلغته العلاقة من تدهور، تختم مصادر معراب بالقول ان رئيس القوات سمير جعجع اعطى اشارتي حسن نية وتمسك بالاتفاق مع التيار في اقل من شهر، الاولى في قداس شهداء القوات حينما تحدث عن العلاقة الاستراتيجية، فكان رد مناقض من الوزير باسيل، والثانية من استراليا خلال مشاركته في قداس 13 تشرين قابلها ايضا اصرار على نبش قضايا خلافية، تناقض السعي القواتي لرفع المصالحة القواتية -العونية الى حيث يجب، مؤكدة ضرورة توضيح بعض الالتباسات لان طي صفحة التباين الاخيرة لا يمكن ان يتم من خلال التنكر لوقائع تاريخية حصلت، وتحديدا دور القوات في انتخاب عون رئيسا.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك