من بقي صامتاً من النواب طيلة جلستي مناقشة الموازنة العامة للبلاد، تلاقى حتماً مع من جلس خلف الشاشة وقال ما قال، مذهولاً ومستفهماً... إلى حد فهم كل شيء!
أكثر ما كان معبرا في عيون مواطن عادي كان وجه رئيس مجلس النواب نبيه بري. تتالت أدوار طالبي الكلام وهو الأقرب "قلبا" ومكانة من أصحابها. حيث يجب أن يتكلم يتكلم، وعند الصمت يصمت عميقا ليكاد يظهر عليه السبب. تحت قبة البرلمان أيضا، مواقف "دولته" كما "نهفاته" تبعده أحيانا في عيون مراقب عن هذه الطبقة التي يشكل "صقرها" حتى إشعار آخر.
على أرض السياسة، لا تمر "سحابة" من دون علم نبيه بري. أو الحري القول إنه "المضاد" لأي "عملية تهريب" تحصل خارج سربه، فخصومه ليسوا بالمعنى المعروف للخصومة إلا إن غابت "الكيمياء" المطلوبة. أما الأهم، فما دار أمام الرجل في الجلسة الثانية.
من يقرأ في أرشيف الجلسات النوعية، وخاصة إن كانت على مستوى مناقشة موازنة الدولة أمام أعين اللبنانيين، يلحظ الفرق. انتظر عدد من النواب هذه المناسبة لرفع سقف خطابهم إن في السياسة أو في الإنماء قبل ثمانية أشهر على انتخابات ٢٠١٨، من حقهم أن يبدأوا بـ "العمل" واستثمار منبر المجلس في هذا التوقيت. لكن الغريب، وما استفز البعض، أن تحول التساؤلات العالية و"الفضائح" المتزاحمة من دون أي رد أو ردة فعل "حرزانة". قد يكون ذلك وليد قرار لدى الكتل الرئيسة بالتهدئة بهدف "كتابة عمر جديد" للتسوية، ومن البديهي فهمه أيضاً على قاعدة "المارق مارق لو شو ما انحكى".
لم نكن في زمن آخر عندما كانت كلمات أحمد فتفت تنزل كالصاعقة على آذان نواب "٨ آذار" فتشتعل القاعة حتى اشتهر بعض الأسماء بصناعة هذه المشاهد. في حين أن الإستفاضة في الحديث عن سلاح "حزب الله" والرد على رئيس الجمهورية ميشال عون والتصويب على سلوك "التيار الوطني الحر" في العام ٢٠١٧.. مرّ إلى حدٍ ما "عالناعم".
أن يدعو نائب، على الهواء مباشرة وفي قلب مجلس النواب، إلى "إخبار اللبنانيين أن مناقشة الموازنة اليوم لها خلفيات خارجية" يعني أنه "فجر قنبلة من العيار الثقيل"، أقله بالمعنى الصحفي. كلام اسطفان الدويهي مر أيضاً.
صحيح أن صرخات سامي الجميّل لا تعد في مختلف الملفات منذ بداية العهد الجديد، لكن ماذا يقال في "صمت القبور" مقابل مساءلاته؟ بغض النظر عن "التمريكات" السياسية، على ماذا يراهن المعنيون في تجاهل أرقام الهندسة المالية؟ وأي تفسير دستوري "يغطي" عدم إجراء الانتخابات الفرعية؟ وهل يلتقي الإصلاح مع "تناتش" السفراء والقضاة علناً بين أحزاب وتيارات؟
ربما لأن الحديث عن تكاليف تأهيل "ديكور" مكاتب النواب والوزراء لم "يضرب ضربته" شعبياً بالنسبة لـ "الطباخين".
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك