أفسحت التسوية السياسية التي تحكم البلد منذ أكثر من عام المجال أمام فرز سياسي جديد، يعيد التداول بمصطلحات كـ"الموالاة" و"المعارضة"، اللتين غُيّبتا طويلا بفعل مفهوم الديموقراطية التوافقية التي يلجأ إليها الفرقاء عندما تدق ساعات الاستحقاقات الكبيرة. وإذا كان هذا الاصطفاف واضحا في مجلس النواب، حيث يصنف حزب الكتائب وعدد من المستقلين في خانة المعارضة، فإن الساحة السياسية التي شهدت كثيرا من الحركات المعارِضة للنهج السائد في لبنان، تستعد لولادة "حركة المبادرة الوطنية "، بجهود النائب السابق فارس سعيد والمفكّر رضوان السيد وسواهما من المستقلين. وتهدف هذه الحركة، التي يعقد القيمون عليها اجتماعهم الثالث في فندق "مونرو" عصرا، إلى تصويب بوصلة الأداء السياسي في لبنان، من خلال التركيز على أهمية احترام الشرعية اللبنانية والعربية والدولية، والتصدي لتمدد نفوذ حزب الله في أروقة الدولة.
وفي هذا الإطار، أوضح سعيد لـ"المركزية" أن "الهيئة التحضيرية لاطلاق حركة المبادرة الوطنية تعقد عصرا اجتماعها الثالث. وهذه الحركة هي الأولى- بعد فرط عقد 14 آذار التنظيمي - التي تعود إلى طرح عناوين ترتكز إلى احترام الشرعية اللبنانية المنبثقة من الدستور واتفاق الطائف، إضافة إلى الشرعية العربية المنبثقة من الشرعية الدولية، لا سيما القراران 1559 و1701".
وشدد سعيد على أن "من مسؤوليات هذه الحركة أن تؤكد أن استقرار لبنان لن يكون بالخضوع لشروط حزب الله أو فريق أو نفوذ إقليمي معين، بل باحترام الشرعيات الآنفة الذكر. وعلى هذه المبادرة أيضا استعادة النخب السياسية والفكرية والثقافية للمشاركة في صياغة الحياة الوطنية، من خلال الانخراط في إطار سياسي واحد عابر للطوائف، يتجاوز التفسيرات الطائفية ويقدم الأولويات على الحسابات الفئوية والطائفية".
وفي مقابل التفاؤل بعودة الديموقراطية إلى الساحة اللبنانيةِ، على وقع الفرز الجديد، تكثر التساؤلات عن قدرة هذه الحركة على إحداث الخرق المرجو، وعلى الاستمرار في الاضاءة على اعوجاجات الحكم، علما أن عددا من المبادرات المشابهة لم يعمّر طويلا. غير أن سعيد لفت إلى أن "ما يميز هذه المبادرة عن سواها يكمن أولا في خبرة أصحابها الآتين من تجارب سياسية طويلة، والذين يعتبرون- وهم في ذلك على حق- أن لا يمكن بناء بلد بشروط فريق من اللبنانيين، كما لا يمكن للتسوية الراهنة أن تستمر لأن الحدود الفاصلة بين الجمهورية اللبنانية باتت وهمية. بمعنى أن أعداء حزب الله وايران أصبحوا أعداء جميع اللبنانيين، لأن البلاد أصبحت تحت نفوذ طهران. تبعا لذلك، أعتقد أن الحاجة إلى هذه المبادرة هي معيار الحكم على نجاحها واستمراريتها، علما أنها تبتعد عن المعارضة التقليدية المرتبطة بالاحتجاج على أداء الحكومة، لتبلغ إعادة الأمور إلى مربع احترام الشرعية والدستور".
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك