عند الكتابة عن رئيس الجمهورية في سنة العهد الأولى، يتوجّب إلينا أن نضيف على اللياقة في مخاطبة الرئيس، وهي ضرورية في كلّ آن، بعضاً من المهابة وبعضاً من عبارات السماح، وفِي حالة الرئيس ميشال عون بعضاً من مراعاةٍ لجمهوره الكبير. مع ذلك كلّه، سنتوخّى الصراحة.
على طريقة "على قدر أهل العزم تأتي العزائم"، انتظرنا الكثير من رئاسة ميشال عون، بقدر ما انتظر محبّوه بلوغه هذا الموقع. بدا في العام الأول من العهد، الذي ينتهي اليوم، أنّ "الجنرال" وصل متأخراً. لا يحارب الرئيس الفساد المستشري ولا تراكمات فراغ الرئاسة ولا قلّة إنتاجيّات الحكومات المتعاقبة فقط، بل يحارب الوقت أيضاً. هو مستعجل، والجميع، من شركائه في الحكم، على مهل. هو يسعى الى إحداث الصدمة وصناعة التغيير ومعه الإصلاح، وبعض شركائه في الحكم لن يُقدِّموا له ذلك كلّه على طبقٍ من ذهب الوقت.
ولكن، قبل الاستفاضة في الكتابة، لا بدّ من التوقف عند شعار الإصلاح والتغيير الذي اقترن باسم العماد ثمّ الرئيس. أليس غريباً اليوم أن تُلصق تهم الفساد ببعض الوزراء الآتين الى الحكومة على صهوة هذا الشعار، وبهم وحدهم تقريباً؟ أليس مفاجئاً أن يسعى وزيرٌ إصلاحيّ الى تجاوز دائرة المناقصات من أجل التلزيم، وأن يرفض وزراء الإصلاح اعتماد آليَّة تعيين لإبقاء المحاصصة التي كانت "فاقعة" كاللون البرتقالي في التشكيلات والتعيينات في السنة المنصرمة من العهد؟ أليس صادماً أن يرقّى القريب في القضاء ويستبعد البعيد، ليصبح قضاءً متروكاً لقدر التدخل السياسي الذي نسمع بقصصه يوميّاً، حتى أنّ قاضياً لجأ منذ أيّام الى "القصر" ليسأل طلب من ألبّي في القضيّة نفسها، الوزير أم النائب، والإثنان من حاملي شعار التغيير والإصلاح؟
بالتأكيد، لم تخلُ سنة العهد الأولى من النقاط البيضاء. لقد عادت العجلة الطبيعيّة للدولة، وعادت الحياة السياسيّة لتستقيم مع جلسات حكوميّة ونيابيّة ومعارضة ترفع الصوت، وأقرّت الموازنة وقبلها قانون الانتخاب، وفي هذه كلّها مساهمة من الرئيس، ولو أنّها لا تُسمَّى إنجازات. إنّه واجب المسؤول، والمسؤول لا يمنّن، لا هو ولا من في جواره ممّن يسيئون الى العهد بـ "تربيح الجميلة" وتكبير "حجر الإنجازات"، حتى بات إنشاء جسر في جل الديب أو وضع فواصل من الباطون في كسروان يستأهل رفع لافتات شكر وإصدار بيانات تنويهاً بما هو، في أيّ بلدٍ آخر، عمل بلديّات.
وكانت للعهد مبادرات مهمّة. الحوار الذي دعا إليه وشارك فيه رؤساء الكتل، وخرج ببيانٍ أشبه بخطّة للجمهوريّة. ولكن لم يتحقّق شيءٌ من البيان. حتى الآن لا شيء. والحوار الاقتصادي الذي تبع إقرار السلسلة والضرائب بنسختها الأولى كان مهمّاً أيضاً، ولكن لا معالجات حتى الآن، والمدارس مقفلة الخميس وقد تقفل أيّاماً أخرى.
كتب غسان تويني يوماً مقالاً بعنوان "بيتٌ بلا سقف". المشكلة اليوم ليست أنّ البلد "بلا سقف". المشكلة في تعدّد السقوف. في الأمس اندلعت معركة في بيروت. أصوات رصاص سمع في عددٍ من أحياء العاصمة، ليتبيّن لاحقاً أنّ الرصاص ناتج عن زفّة عروس في مخيّم صبرا. وفي مخيّم عين الحلوة مطلوبون بالمئات ومعارك تندلع من حينٍ الى آخر. وفي الضاحية الجنوبيّة تقفل طرقات وتندلع حرائق بسبب إزالة مخالفات. وفي الرويسات تطرد دوريّة قوى الأمن لأنّها تنفّذ القانون. ترحل الدوريّة ولا ينفّذ القانون.
المشاكل كثيرة في البلد. وبعض المناطق لها سقفٌ غير سقف الدولة. وسقف الدولة غالباً "واطي" ويمكن القفز فوقه باتصال أو تدخّل من مرجعٍ ما. لم يتغيّر الأمر بين تشرين الأول ٢٠١٦ وتشرين الأول ٢٠١٧. يحتاج الأمر الى "نفضة"، والرئيس عون نفسه صاحب نظريّة "شطف الدرج من فوق". الدرج وسخ، ولا من يشطف، لا من فوق ولا من تحت. لا يتجاوز الأمر الكناسة، في أحسن الأحوال.
هل يجوز أن نلقي بهذه الأعباء كلّها، وفوقها أعباء المليون ونصف المليون نازح سوري على أرضنا، فوق كاهل سنة العهد الأولى ثمّ نحاسب سيّده؟ في الأمر ظلمٌ بالتأكيد. ولكنّ الظلم الأكبر أن يُنتخب ميشال عون رئيساً ثمّ يمضي من دون سجلٍّ حافل بالإنجازات يغيّر وجه الدولة. من هو بحجم ميشال عون السياسي والشعبي يرفع معه البلد إن ارتفع ويذهب بالبلد الى الهاوية إن سقط. ما نخشاه أنّنا نذهب الى الهاوية. اسألوا أصحاب المؤسّسات التي تقفل أبوابها أو التي تعجز عن دفع رواتب موظّفيها وتصرف منهم المئات شهريّاً. واسألوا عن حجم التأخر في تسديد أقساط السنة المدرسيّة المنصرمة.
عند تشكيل الحكومة الحاليّة، قال الرئيس عون إنّها ليست حكومة العهد الأولى. حبَّذا لو تكون السنة المنصرمة أيضاً ليست سنة العهد الأولى...
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك