جاء في صحيفة "اللواء": على رغم الحدود الجغرافية المتقاربة، بين «بكركي» و«معراب»، باتت سياسيا هذه الحدود، بين البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، ورئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع، متباعدة نوعا ما في الآونة الأخيرة، لا سيّما على خلفية التباين في وجهات النظر، بشأن الأحداث الدائرة في سوريا، والتي اختار الراعي فيها الوقوف إلى جانب النظام السوري، برئاسة الرئيس بشّار الأسد، على اعتبار أنّ هذا النظام، حمى الأقليّات في سوريا، وأنّه النظام الأكثر ديمقراطية في المنطقة العربية، في حين اختار جعجع، الوقوف إلى جانب الشعب السوري وثورته، على اعتبار أنّ نظام البعث الحاكم منذ أكثر من 40 سنة في سوريا، هو من قصم ظهر المسيحيين في سوريا ولبنان.
هنا وقع الطلاق سياسيّا، بين «الوالد» الراعي و«الإبن» جعجع، الذي قاطع القدّاس الذي ترأسه البطريرك الماروني، لمناسبة السنويّة الأولى لتوليته السدّة البطريركية أمس الأول، واختار في المقابل من قلعته في «معراب» الاستمرار في رفع الصوت عاليا، بعدما كان نقل في وقت سابق هواجسه، إلى البطريرك مباشرة، في أكثر من مناسبة ولقاء دون أي نتيجة مرجوّة.
هذا التغيير السياسي الـ«تكتي»، بحسب «قوّاتي» مقرّب جدّا من جعجع، هو للفت نظر الراعي إلى خطورة موقفه من الحريات «لأنّ بكركي مشهود لها عبر التاريخ بأنها صممام الأمان لكل التواقين إلى الحرية»، وعلى الرغم من المقاطعة «القوّاتية» الواضحة للبطريرك، إلا أنّ هناك إصرار وتأكيد من قبل أعلى الهرم في الحزب، على أنّ العلاقة بين «بكركي» و «معراب» أكثر من ممتازة، وأن العلاقة بين «القوات» و «الكنيسة» أكثر من ممتازة، وإن كلام جعجع ليس موجها ضد الكنيسة، ولا هو على عداء معها، إنما موقفه جاء محددا في موقف سياسي محدد للراعي لأنّ تاريخ القوات ومبرر وجودها، قائم على مبادئ وثوابت الكنيسة.
ولأنّ المصدر المقرّب من جعجع يعتبر أنّ «مجد لبنان أعطي لبكركي» نظرا لتاريخ مرجعياتها الوطنية والعربية والدولية، جاء موقف جعجع «الإبن» لتصويب مسار «الأب»، الذي انقلب على سياسة وخط بكركي المعروف على مر العصور، ومن هذا المنطلق، يتابع المصدر لا تعتبر «القوّات» نفسها وقعت في الخطيئة، مشيرا إلى أنّ القوات تصر على قول موقفها السياسي، وهو إن بدا في الشكل موجه ضد البطريرك، إنما في عمق الأمور هو لمصلحة البطريرك وبكركي.
وللذين ينتقدون مواقف جعجع، ويدافعون عن البطريرك الراعي، ويحاولون استغلال هذا الخلاف العرضي، يرى القواتيون أنّ استنفار رئيس تكتّل التغيير والإصلاح، نوّابه ووزرائه والزحف بهم إلى بكركي، للمشاركة في قدّاس بكركي أمس الأول، ليس سوى محاولة مفضوحة «لتغطية السموات بالأبوات»، وإلى هؤلاء يتوجّه «القواتيون» بالقول: «من يراهنون على خلاف مع بكركي، لن ينالو مبتغاهم».
وعلى الرغم من وجود مساع حثيثة، من قبل «سعاة الخير المطارنة» وغير المطارنة، بهدف تقريب وجهات النظر بين البطريرك الراعي والدكتور جعجع، يؤكّد قوّاتي أنّ جعجع وإن كان جاء كلامه حادّا تجاه البطريرك الراعي، لكن هذا الكلام لم يصل إلى حد الإساءة أو التجريح لشخص الراعي، وهو نقطة في بحر ما فعله سواه مع البطريرك صفير.
ومن منطلق أنّ ما لا يصح مع الكاردينال صفير، لا يجب أن يصح مع البطريرك الراعي، بدأت تعلو أصوات بعض القواعد «القوّاتية»، وإبداء امتعاضها، من مواقف «الحكيم» الأخيرة من «غبطته»، وهذا الإمتعاض تأخذه القيادة الحزبيّة بعين الاعتبار، لكن هذه القيادة لا ترى مشكلة أو مناصا في خسارة «القوّات» بعضا من شعبيتها، شرط أن لا يكون ذلك على حساب بكركي وتاريخ بكركي وهنا يقول المصدر المقرب من جعجع لـ «اللواء»: «نحن لو بدنا نشتغل انتخابات، منعرف منيح نشتغل انتخابات، بس نحن ما بتهمنا المصالح الانتخابية الظرفية والآنية، لأنّ الأمور بتنطرح عنّا، ضمن إطار مبدئي، لا يمكن أن نساوم عليه من أجل مصالح انتخابية ضيقة».
هكذا إذا اختارت «القوّات» المجاهرة بخلافها السياسي، مع البطريرك، بشأن المتغيرات الحاصلة في المنطقة العربية، عبر المنابر الإعلامية، دون الرجوع إلى الراعي مباشرة، ونقل هواجسها ومخاوفها أيضا إلى داخل الأروقة الكنسيّة، لأنّ بنظر القواتيين أنّ «الحريّة لا يمكن أن تتجزّا في أي زمان أو مكان، ومن هذا المنطلق، كان لا بد من إطلاق صرخة تحذيرية، لأن ليس من المنطقي، أن تقف بكركي مع الجلاّد ضد الضحية». ومع أنّ «القوات»، تأخذ بعين الاعتبار هواجس البطريرك، من وصول السلفيين والإسلاميين، إلى السلطة في سوريا أو غيرها، لكنّها تصر على التأكيد، على أنها كجماعة طالبت عبر التاريخ، وناضلت من أجل الحرية وثقافة السلام، لا يمكنها إلا أن تحترم خيارات الشعوب، وحقّها في ممارسة ديمقراطيتها، وإيصال من تشاء ليمثّلها، والتعامل بالتالي مع من سيصل إلى الحكم في مرحلة أولى، ومن ثمّ مواجهته في مرحلة تالية، سيّما في حال ارتكب الأخطاء بحق لبنان.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك