الخلاف على جبنة المشاريع الدسمة أفسدها وأفسد معها العلاقات بين أعضاء الحكومة إلا أنه قد لا ينهي صلاحيتها لأن هذا ليس في يدها بل في يد من جاء بها...
تقول أوساط سياسية إن الحكومة باقية ما دام الأمن ثابتاً والسلم الأهلي مصوناً والوضع الاقتصادي والمالي مستقراً، وأن هذه هي العوامل المحلية والاقليمية والدولية التي تدعم بقاء الحكومة ولن يؤثر في بقائها خلاف على تعيينات وعلى وسائل زيادة الطاقة الكهربائية وعلى ضبط النفقات في مشروع الموازنة العامة أو طلب سلفات خزينة أو غيرها من المشاريع الدسمة التي تثير الخلافات وتفسد العلاقات بين الوزراء.
أما إذا تدهور الوضع الأمني ومعه الوضع الاقتصادي والمالي، فالحكومة تسقط من تلقائها. ولا شيء عندئذ يشفع في بقائها، وإذا كان مطلوباً تحمّلها على رغم فشلها ولا سيما في ما يتعلق بأولويات الناس فلأن بقاءها هو سبب استمرار الأمن والاستقرار. وفي ما عدا ذلك، فان مصير الحكومة يقرره رئيسها نجيب ميقاتي ساعة يشاء وفي التوقيت الذي يراه مناسباً، كما يقرره "حزب الله". وكان يمكن القول إن العماد ميشال عون هو الذي يستطيع أيضاً تقرير مصيرها لو لم يكن قراره مرتبطاً برأي "حزب الله" إلا إذا قرر فك هذا الارتباط وإعادة النظر في تحالفاته في ضوء نتائج الأحداث في سوريا. لكن العماد عون لن يفك ارتباطه بـ"حزب الله" على أبواب انتخابات نيابية باتت قريبة.
استناداً الى ذلك، يمكن القول إن الحكومة باقية حتى على علاّتها وإن لم تنجز إلا القليل مما وعدت به، لأن الفراغ الحكومي يظل أخطر وأكثر ضرراً على البلاد والعباد. والحرص على بقائها يجعل "حزب الله" حارساً لدوام الأمن والاستقرار في البلاد ومنع امتداد ما يجري في سوريا الى لبنان لإشعال فتنة فيه. أما إذا حصل خلاف ذلك فإن "حزب الله" يكون قد فضّل هز الأمن والاستقرار على بقاء الحكومة، ويكون الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله قد تراجع عن قول له: "إن الحكومة الحالية باقية لأن بقاءها يساوي الاستقرار".
إلى ذلك، فان مصير الحكومة لا تقرره نتائج ما يجري في سوريا سواء أكانت سلبية أم إيجابية، بل يقرره "حزب الله" كونه يملك القرار في التوقيت الذي يريد، وكذلك الرئيس ميقاتي الذي لن يقدم على تقديم استقالته من أجل خلافات على شؤون داخلية، بل على شؤون خارجية تتصل بالتزامات لبنان الدولية وهو ما حصل بالنسبة إلى تمويل المحكمة الخاصة بلبنان ثم التمديد لها، وقد جاراه "حزب الله" في موقفه هذا لأنه اعتبر بقاء الحكومة هو الأهم.
والسؤال الذي لا جواب عنه إلا عند الرئيس ميقاتي و"حزب الله" هو: متى لا يعود بقاء الحكومة التي تعصف بها الخلافات حول كل موضوع مجدياً؟
أما الرئيس ميشال سليمان فبعدما فقد صلاحية إقالة الحكومة وحتى الوزير بموجب دستور الطائف بتعديل المادة 53 ونصها: "رئيس الجمهورية يعين الوزراء ويسمي منهم رئيساً ويقيلهم ويولي الموظفين مناصب الدولة ما خلا التي يحدد القانون شكل التعيين لها على وجه آخر"، لم يعد في استطاعته أن يفعل شيئا حيال الخلافات المتفاقمة داخل الحكومة والتي تشل عملها وتعطل صدور القرارات لا سيما في المواضيع التي تهم الوطن والمواطن، سوى أن يجري اتصالات مع القوى السياسية الأساسية في البلاد للاتفاق سلفاً على تشكيل حكومة من سياسيين مستقلين يساعد تجانسها وانسجامها على إقرار ما لم تستطع الحكومة الحالية إقراره ولا سيما التعيينات في المراكز المهمة بحيث لا تبقى شاغرة عندما يبدأ التحضير لانتخابات 2013. وما لم يتم التوصل الى اتفاق مع هذه القوى على تشكيل مثل هذه الحكومة، فإنه يخشى أن يكون البديل من سقوط أو إسقاط الحكومة الحالية هو الفراغ الذي قد يطول وينعكس سلباً على الأوضاع الأمنية والاقتصادية وعلى التحضيرات لاجراء الانتخابات، إذ كيف يمكن اجراؤها ولا حكومة في البلاد؟!
لذلك، المهم ليس إسقاط الحكومة سواء بفعل نتائج الأحداث في سوريا أو بفعل عودة اقلية 14 آذار أكثرية بوقوف كتلة النائب وليد جنبلاط معها، إنما المهم أن يكون البديل منها جاهزاً منعاً لاحتمال حصول فراغ خطر قد يكون ثمة من يتعمد حصوله لغاية في نفس أكثر من يعقوب...
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك