كتبت صحيفة "الراي" الكويتية: نُقل في بيروت عن زوار العاصمة السورية الذين التقوا الرئيس بشار الاسد ان ابواب دمشق لن تفتح بعد اليوم امام الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، وانه رغم مواقفه الصاخبة ضد الاسد فان جنبلاط «غير موجود سياسياً» بالنسبة الى القيادة السورية.
وذهب النائب السابق فيصل الداوود (درزي) الذي التقى الرئيس السوري اخيراً، الى حد القول: «القضايا التي يعمل عليها الرئيس الاسد حالياً اكبر بكثير من قصة وليد جنبلاط ومواقفه التي لا تقدم ولا تؤخر هلق مش شايف جنبلاط وحركاته».
وغالباً ما عكست تلك التقارير المستقاة من زوار دمشق خلاصات حاسمة بـ «خسارة جنبلاط» تماماً كما توحي بـ «انتصار مظفر» للنظام على التحالف الكوني ضده، وسط مفارقة لافتة تولي وضعية جنبلاط اهمية وتعتبره بمثابة كائن سياسي غير موجود في آن.
هذه المفارقة تطرح اسئلة من نوع: هل ان جنبلاط الذي حسم خياره وفي وقت مبكر بالوقوف الى جانب الثورة في سورية وضد «البعث العبثي» و«عائلة الاسد» سيتجرع كأس الخسارة؟ وهل نجح الاسد، مع دخول الازمة في سورية عامها الثاني في كسب المعركة؟
جنبلاط الذي يكثر من تحركاته الخارجية (زار أنقرة والدوحة وباريس وموسكو ولندن) ويحد من حركته الداخلية (لاعتبارات على صلة بأمنه الشخصي) كان اتخذ خيارات لا رجوع عنها بغض النظر عن الاثمان السياسية او المجازفات الامنية، فموقفه من نظام الاسد جاء محكوماً باعتبارات عدة، مبدئية وسياسية ومصلحية في آن.
وثمة من يعتقد ان محاولة التقليل من شأن جنبلاط ومواقفه لا تعبر عن واقعية وربما تكون اقرب الى التشفي الناجم عن المرارة. فرئيس الحزب التقدمي الاشتراكي يكاد ان يكون من بين قلة من الزعماء اللبنانيين الذي يملكون مروحة واسعة من العلاقات الاقليمية والدولية، ويزيد من مكانته توزع طائفة الموحدين الدروز بين لبنان وسورية وفلسطين المحتلة، اضافة اى موقفه الاستثنائي في التركيبة اللبنانية، الذي يجعله «القوة المرجحة» في لعبة التوازنات.
ولو لم يكن الزعيم الدرزي الأبرز «مخلوقاً سياسياً فوق العادة»، في تقدير دوائر محايدة، لما اضطر الاسد الى اخذ جرعة زائدة من «البراغماتية» حين عاود وصل ما انقطع مع جنبلاط عندما استقبله مرات عدة، متجاوزاً اقذع النعوت التي كان اطلقها بحقه يوم وصفه بـ«القرد والأفعى» وما شابه. فالرئيس السوري لم يستطع ترميم دوره المؤثر في لبنان آنذاك الا عبر «استعادة» جنبلاط الذي مكّن «حزب الله» والنظام في سورية من اقصاء زعيم الغالبية يومها سعد الحريري عن السلطة.
فبغض النظر عن صوابية خيارات جنبلاط، الذي اختار وضع علم الثورة السورية على ضريح والده «المعلم» كمال جنبلاط في الذكرى الـ 36 لاغتياله قبل مدة، او سوء تقديرها، فان تحول «رأس حربة» في مناهضة نظام الاسد ونداءاته المتكررة لدروز سورية بالانضمام الى الثورة، يعود، بحسب قريبين منه، لأسباب عدة منها:
> انه ابن كمال جنبلاط، صاحب التراث الرائد في معاندة «السجن الكبير» ودعم حركات التحرر والنضال من اجل الحرية، وتالياً لا يمكنه الا ان يكون مع الشعب السوري وثورته. وهو كان كاشف الاسد بضرورة الاصلاح ونصحه بخريطة طريق وسأله عن قتل الطفل حمزة الخطيب وعن خطف شبلي العيسمي، «لكنه بعدما امعن في القتل والتدمير كان لا بد من الانحياز للشعب وتوقه للعيش بحرية وكرامة».
> لم يكن في امكان جنبلاط القبول بتحويل النظام السوري الدروز في جبل العرب «حرس حدود» للنظام في معركته ضد الغالبية السورية، وعلى غرار نداءاته لدروز فلسطين المحتلة عدم السماح لاسرائيل باستخدامهم «حرس حدود» في مواجهة اخوانهم العرب في الدولة العبرية، ألح على دروز سورية عدم مماشاة النظام في لعبة سيدفعون ثمنها.
> خشية جنبلاط من ان توريط النظام، الذي رفع الغطاء العربي الدولي عنه، للدروز في حربه ضد الشعب السوري، من شأنه ان يؤثر سلباً على اوضاعهم في دول الانتشار، ولا سيما في دول الخليج التي احتضنتهم. وهو اي جنبلاط اعلن صراحة انه لم يلب الدعوة لزيارة ايران للأسباب عينها.
غير ان المسألة الاكثر حساسية التي تميز خيارات جنبلاط، تتمثل في فصله بين الوضعين الاقليمي والداخلي في مقاربته، فرغم انحيازه الى «الاعتدال العربي» على المستوى الاقليمي وسعيه الى تطبيع العلاقة مع المملكة العربية السعودية، يحرص على استمرار تموضعه الداخلي الى جانب «حزب الله» في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي.
ما يبدو وكأنه «افصاماً» في خيارات جنبلاط حيال الخارج والداخل، لا يعكس «ازدواجية» بقدر ما يعبر عن رغبة جنبلاط في حماية الاستقرار الداخلي في مرحلة اقليمية بالغة الاخطار، فهو الذي يقترب من تحالف «14 آذار» سيستمر في منح «صوته» لـ«حزب الله» تفادياً لاستفزازه وما قد يترتب عن ذلك من الجنوح بالبلاط بمغامرات يمكن تفاديها.
وبهذا المعنى، فان اوساطاً تتقن فن القراءة في «المستور السياسي» تجزم بأن جنبلاط الذي يميز بين «حزب الله» كطرف لبناني وازن، و«حزب الله» كرافعة لمشروع اقليمي، لن يكسر الجرة مع الحزب في المسائل المرتبطة بالاوضاع الداخلية، ربما لاعتقاده بأن البلد «مخطوف»، لكنه افترق عنه في المسائل المتصلة بالخيارات الاقليمية وفق معادلة تشبه «الاتفاق على عدم الاتفاق».
ولعل مجاهرة جنبلاط اخيراً بأنه غير مستعد لدفع «الثمن السياسي» للقاء مع سعد الحريري، الذي دعاه يوماً الى «انتظار جثة عدوه على حافة النهر»، تكشف عن ان زعيم «الاشتراكي» يحاذر قلب التوازنات من جديد لاعتقاده انه في واقعها الحالي حماية لاستقرار يخدم الجميع، والتغيير المريح لا المريع لهذا الواقع لن يتم الا في ضوء متغيرات اقليمية.
والذين يعرفون جنبلاط يقولون انه يتعاطى بعناية مع التحولات الجارية وبلا انفعالية، وتالياً فان مواقفه الصاخبة ازاء النظام في سورية لا علاقة لها بامكان سقوط الاسد او عدمه، فهو يدرك ان النظام في سورية ما زال حتى اللحظة حاجة اميركية روسية، وان اليهود في الولايات المتحدة كما في روسيا الاتحادية يخوضون معركة حماية نظام الاسد.
هذا الاقتناع لدى الزعيم الدرزي لا يقلل من حماسته في الوقوف الى جانب الشعب السوري، الذي اثبت وعلى مدى اكثر من عام جدارة لا جدال فيها في الكفاح من اجل حريته وحقوقه واستعداده، الامر الذي من شأنه تمكينه من احداث التغيير عبر الحل الذي تضمنته مبادرة جامعة الدول العربية.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك