مع أن معزوفة الانقسام المسيحي حيال معظم المسائل المصيرية ومثلها "ملفات الدولة" لم تعد تحرك ساكنا لفرط رتابتها والعجز المطلق عن تغيير واقع هذا الانقسام، ثمة ما يسبغ رمزية مختلفة على هذا الجانب المأزوم من الوضع اللبناني مع طلائع اسبوع الآلام هذه السنة. استحضرت هذه الرمزية بقوة في الايام الاخيرة مع رموز دينية وسياسية مسيحية تعاقبت على المسرح، ودفعت بالتأزم المسيحي قدماً إن عبر الاشتباك السياسي الحاد بين اكبر كتلة مسيحية في الحكومة وبعض شركائها الآخرين في الحالة التي يمثلها "تكتل التغيير والاصلاح"، وإن عبر المهرجان الذي اقامته "القوات اللبنانية"، وإن من خلال مواقف البطريرك بشارة الراعي في تركيا.
والواضح في السياق ان مسار التعارضات المسيحية يتوغل بقوة نحو تشكيل حالة لا رجوع معها الى فرصة مراجعة ممكنة يمليها ميزان قوى لا يقيم اعتبارا إلا لمن يقوى على فرض وزنه عليه. ولعل المفارقة في هذا التأزم هي انها تظهر وجهين متعارضين يعودان الى الخصوصية المسيحية في لبنان. في الوجه الاول يقدم المسيحيون نموذجا جيدا في التعددية السياسية قلما تظهر عند سواهم وتعكس حيوية غالبا ما جعلتهم الرقم المميز في المعادلة اللبنانية والتي بدأ تسويقها الآن على مستوى دولي كنموذج صالح للتعميم في الدول العربية. ولكنهم في الوجه السلبي يفقدون القدرة على التأثير لمخالفتهم قواعد النظام الطائفي التي تملي توحد التكتلات الطائفية او تجميعها بأقصى الحدود الممكنة، على غرار واقع الطوائف الاخرى.
ما كان لهذه المفارقة ان تبرز من جديد لولا ملامح خطورة تتربص بالمسيحيين الآن عند مشارف استحقاقين يزحفان بقوة على الواقع الداخلي، هما الضغط الاضافي المتوقع لانعكاسات الازمة السورية على لبنان، وبداية التعامل مع سنة انتخابية لن يبقى فيها قعر لن ينبش او حساسية لن تفجر او حساب لن يصفّى.
ولعله من أسف شديد ان فرصة لاحت في السنة الماضية للبحث عن مشتركات مسيحية تقي هذا الفريق الاساسي غدرات الزمن قد تكون بددت تماما بعد الالتباس الهائل الحاصل حول مواقف بكركي وسيدها. فمع ان لقاءات بكركي المحدودة التي اطلقت دينامية "الحوار" حول قانون الانتخابات شكلت خطوة متواضعة في مسيرة التغيير المسيحي، لم يقف الاخفاق فيها عند حدود تبديد الفرصة فحسب بل اتسع نطاقه على نحو دراماتيكي اخيرا في ما ظهر من انفجار واسع للذاتيات وسوء الحسابات السياسية و"المرجعية". ويقف المسيحيون اليوم امام هذا العجز المطلق عن مجرد احياء محاولة جديدة لترميم الجسور. ولعل اخطر ما قد يتطور اليه هذا الواقع هو ان يغدو اللاعبون في مجملهم أسرى مواقف او أسرى نكد بفعل العجز عن العودة الى الوراء.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك