يحلّ عيد الفصح على الطوائف المسيحية اللبنانية التي تتبع التقويم الغربي مثقلاً بهموم أمنية أيقظتها رصاصتان أخطأتا رئيس حزب "القوات اللبنانية" الدكتور سمير جعجع قبل ثلاثة ايام، ولكنهما أصابتا بيروت بصدمة اذ اعتُبرتا بمثابة اعلان تجديد صلاحية "رخصة الاغتيال" التي حصدت بين 14 شباط 2005 و 25 كانون الثاني 2008 عشر شخصيات سياسية واعلامية وامنية و3 شهداء أحياء.
ولم تكن "الجمعة العظيمة" وطقوسها كفيلة بان تطفئ المخاوف التي اجتمعت دفعة واحدة تحت سماء البلد الذي يرصد بقلق كبير "الرياح الساخنة" التي تحوطه والتي يخشى ان تصل اليه فتضعه في "قلب العاصفة" ولا سيما السورية، إما في محاولة لتغيير وجهة سيرها وإما لاستباق المفاعيل اللبنانية التي يمكن ان تترتّب على اي تغيير دراماتيكي للوضع في سوريا، كسقوط النظام عبر فرض امر واقع جديد في لبنان يقوم على شطب رموز وقادة وتغيير المعادلات.
وشكّلت محاولة اغتيال جعجع بهذا المعنى اول المؤشرات الى بدء عملية "كسر ستاتيكو" المراوحة الذي حكم الوضع اللبناني منذ ما بعد اتفاق الدوحة العام 2008 ولا سيما في ظلّ انفجار الازمة في سوريا، وهو التطور الذي اعتُبر بداية تحسُّب للانتخابات النيابية المقبلة في سنة 2013 كاستحقاق مصيري في تقرير وجهة لبنان و... وجهه.
وفي موازاة الاستنفار السياسي الذي أحدثته المحاولة الفاشلة التي تعرّض لها جعجع وانتقال غالبية شخصيات "14 آذار" الى رفع درجة الخطر الى "اللون البرتقالي" مستعيدة الاجراءات الوقائية التي سبقت تعليق جرائم الاغتيال، بقيت التحقيقات مستمرّة في هذه العملية وسط تكتم ومناخ من الجدية العالية عبّرت عنه مطالبة رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي من الاجهزة المعنية التعامل مع ما حصل بمنتهى الاهتمام، نظراً لما تشكله من مخاطر على الوضع الأمني والاستقرار في البلد في هذه المرحلة بالذات.
وفي ظلّ توصُّل التحقيقات الاولية الى "طرف خيط" انطلاقاً من تحديد البقعة التي تم منها إطلاق الرصاصتين على الدكتور جعجع ومسحها، ومن بقايا الرصاصتين التي ارسلت الى مختبر الادلّة الجنائية لحسم نوع البندقية او البندقيتين (نوع شتاير 12.7) اللتين اطلقتا منهما ومكان صنعهما.
وفي موازاة إظهار عملية المسح للحرج الذي أطلقت منه النار وجود اغصان مكسورة بالأيدي من الغرب الى الشرق، تقاطعت المعلومات المستقاة من التحقيقات عند ابراز الوقائع الآتية:
ان عملية نقل رشاش سواء من عيار 12.7 ملم أو 14.5 ملم لا يمكن أن يقوم بها شخص واحد وهي تحتاج الى آلية ولا يمكن نقلها سيراً على الأقدام.
هناك حاجة الى تيار كهربائي، وعلى الأرجح تم استخدام بطاريات مشحونة، كما ثمة حاجة لوجود جهاز كومبيوتر محمول يكون موصولا عادة بالرشاش المذكور وبالمنظار تحديدا، من دون اغفال الحاجة لوجود قاعدة ثابتة ومتحركة يوضع عليها الرشاش لأن الخطأ غير مسموح.
ولفتت المصادر الى ان السلاح المستخدم عادة ما يكون بحوزة دول وليس افراد وهو لا يسلم من المعامل الا وفق الـ end use certificate، موضحة انه حتى الجيش اللبناني لم يكن بحوزته قبل حرب نهر البارد صيف 2007 هذا النوع من البندقيات حيث استعان حينها باحدى الدول المصنعة للحصول عليها.
ولم تحجب التحقيقات في هذه القضية الاهتمام عن مضاعفاتها السياسية وسط معلومات عن ان الامانة العامة لقوى "14 آذار" بدأت اتصالات لعقد اجتماع موسّع لهذه القوى في معراب الاسبوع المقبل استنكاراً لمحاولة اغتيال جعجع وللبحث في التطورات الناشئة.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك