عد تأخير لسبع سنوات، «استفاقت» 14 آذار: «لا انتخابات في ظلّ وصاية السلاح»! ولكن مَن يسبق مَن إلى التعطيل؟ ومن يملك الآليّات العملانية لنسف الانتخابات: 14 آذار أم أصحاب السلاح أنفسهم؟
لم يقُل فريق 14 آذار حتى اليوم ماذا يريد تحديداً: هل ينوي تعطيل الانتخابات إذا لم يتمكّن من نزع وصاية السلاح في ربيع العام المقبل، وكيف؟ أم إنّه سيقبل الانخراط فيها "واقعيّاً" أيّاً كان الثمن؟
من سخريات القدر أنّ هذه المعادلة هي عينها التي كانت مطروحة على المسيحيّين في مرحلة وصاية السلاح السابقة، والتي كانت مدعومة بوصاية السلاح السوري. ويومذاك، اختار البطريرك نصرالله صفير، في البداية، أسلوب المقاطعة لانتخابات لم يكن قادراً على تعطيلها. ثمّ جرّبت "قرنة شهوان" أساليب مختلفة. لكن الأمر انتهى بنكسات سياسية دائمة، فيما شركاء أساسيّون هم اليوم في 14 آذار وجدوا أنّ "الواقعية أفضل" لحماية المصالح والرؤوس.
اليوم، هذه المسألة مطروحة مجدّداً في لعبة حاسمة. ويكابر فريق 14 آذار إذا قال إنّه مرتاح إلى النتيجة المنتظرة من انتخابات 2013. إنّه قلق من الانتخابات ليس لأنّه ضعيف شعبياً، بل لأنّه قويّ، ولأنّ خصومه يدركون ذلك. ولذلك سيستخدم هؤلاء كلّ الأسلحة في المعركة لمنع تظهير هذه المعادلة شعبيّاً. وتتوقع 14 آذار، إذا جرت انتخابات نزيهة، أن تحظى بغالبية في سنة 2013 تفوق تلك التي حصلت عليها في العام 2009. وبناء على هذه القراءة، من المؤكّد أنّ أصحاب الأمر والنهي سيهرُبون من استحقاق الانتخابات بتأجيلها، إذا لم يضمنوا فوزهم فيها. ومن السهل لهم إيجاد مبرّرات التأجيل: ظروف أمنيّة قاهرة، تطيير الحكومة، عدم الاتّفاق على قانون للانتخابات، مخاوف انتقال الفتنة من سوريا... وكلّ هذه المبرّرات يتحكّم بها أصحاب السلطة الحاليّة، الذين هم أنفسهم أصحاب السلاح.
حياة أو موت!
في لعبة حاسمة، لعبة حياة أو موت كالانتخابات المقبلة، لا أحد مستعدّ للتساهل. فالخسارة هنا لا يمكن تعويضها. وسيكون المصير الذي وصلت إليه سوريا ونظامها، بعد عام، حاسماً في رسم مصير لبنان ونظامه أيضاً. والمفارقة هي أنّ تعطيل الانتخابات يصبح حيويّاً ولا بديل منه لأحد الطرفين المتنازعين عندما يكون إجراء الانتخابات حيويّاً للطرف الآخر، والعكس صحيح. فالرافضون السلاح بدأوا معركة لتحرير الانتخابات من وصايته... وإلّا فالتأجيل. وأمّا أصحاب السلاح أنفسهم فمصمّمون أيضاً على تعطيل الانتخابات إذا لم تضمن تكريس مفعول السلاح، أي تحقيق الغلبة الكاملة في المجلس، وتالياً في الحكومة ثمّ رئاسة الجمهورية في 2014.
ومن هنا أيضاً، وجود مقدار من التباين في النظرة إلى الانتخابات، حتى داخل المعسكرين المتنازعين. فلا أحد يضمن الصورة التي ستحكم المعادلة في 2013، وما ستؤدّي إليه من خلط للأوراق قد يقلب الموازين رأساً على عقب.
لكنّ الواضح أنّ 14 آذار، بعدما انتزع منها خصومها ما كان لها في السلطة والمؤسّسات، ولا سيّما في المجلس النيابي والحكومة، باتت تفتقر إلى الآليّات العملية التي تسمح لها إمّا بـ"تحرير الانتخابات" من وصاية السلاح، وإمّا بالتعطيل. وإذا لم يتبدّل هذا الواقع خلال السنة المقبلة، فقد ينتهي الشعار بانتكاسة كتلك التي كانت تُصيب المسيحيّين، من مقاطعة بكركي في العام 1992 إلى قانون غازي كنعان في العام 2000، الذي "بُعِثَ" حيّاً في العام 2005 بـ"التحالف الرباعي".
أمّا فريق 8 آذار فيستعجل قطف ثمار إمساكه بالسلطة. وإذا لم يطرأ تغيير على المعادلة في سوريا، وتالياً في لبنان، سينُتِج هذا الفريق مرتاحاً قانون الانتخاب الذي يريد، ويستخدم الوسائل التي تسمح بإضعاف 14 آذار. ويستفيد هذا الفريق من الهواجس والظروف الأمنيّة التي تلفح خصومه، والتي دفعت بعضهم إلى الخارج. كما سيتمكّن من فرض ضوابط على كلّ تحرّك سياسيّ أو شعبي، بناء على ذرائع مختلفة. وسيكون النائب وليد جنبلاط في واجهة المستهدفين لما يمثّله في لعبة التوازن. فهو وحده المرشّح لتبديل لعبة الغالبية والأقلّية، كما فعل في العام 2010. ويمكن جنبلاط أن يسهّل تأليف حكومة جديدة تكون الغالبية فيها لفريق 14 آذار، وينتج عنها قانون للانتخابات يرسّخ هذه الغالبية في المجلس النيابي، ويؤسّس لهيكلية الحكم المقبلة.
لكنّ المعطيات لم تنضج لدى جنبلاط على ما يبدو. وهو ما زال ينضوي، ولو شكلاً، في الغالبية التي صنعها بنفسه. فهو وعَدَ "حزب الله" بنوع من الخطوط الحمر الظرفيّة، وأبرزها استمرار الحكومة والغالبية بعيداً من 14 آذار. ووافق "الحزب" على هذه "الظرفية" لأنّه يراهن على أنّ الوقت سيكون إلى جانب حليفه السوري.
وهكذا، فالمعركة على إجراء الانتخابات أو تعطيلها أقوى من معركة التحضير للمعركة الانتخابية نفسها.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك