أظهرت مداخلات النواب في جلسة مناقشة الحكومة على مدى ثلاثة ايام استمرار الرهان على خوض الانتخابات النيابية المقبلة بالعدة القائمة والموجودة في الصراع القائم بين فريقي 14 و8 آذار على نحو يعزل ما جرى في سوريا وما يحتمل ان يجري من الحسابات السياسية اقله ظاهرا وكذلك بالنسبة الى احتمال تأثيره على لبنان. ذلك ان الملاحظ بالنسبة الى عدد من المراقبين المتابعين ان الامور على حالها او يراد لها ان تستمر من حيث الحدة في المواقف وتسعير الصراع الداخلي على رغم التطورات المتسارعة على الصعيد السوري وهناك تطورات هائلة في الازمة توقع كثر ولا يزالون ان تترك انعكاسات على لبنان. ويظهر توقيع النظام السوري مع الامم المتحدة بروتوكول المراقبين الدوليين في الاراضي السورية وحرصه على تأكيد هذا الامر تطور الازمة السورية خلال سنة وبضعة اشهر بالنسبة الى مصادر متابعة تقارن هذا التوقيع بما كان عليه الموقف المعلن للنظام ابان المبادرة العربية قبل اشهر قليلة. اذ انه وفيما كانت دول الجامعة العربية تتخبط من اجل تنفيذ المبادرة التي تقدمت بها لحل الازمة السورية كانت تنهال الاتهامات من النظام بان الدول العربية الخليجية بنوع خاص تعمل من اجل دفع الازمة السورية الى مجلس الامن من اجل تدويلها فيما كانت هذه الدول تدافع عن نفسها بانها لا ترغب في التدويل لكن عدم الانصياع او التجاوب مع المبادرة العربية سيؤدي الى تدويلها. وبعد خمسة اشهر تقريبا على هذا الجدل باتت دمشق هي من يوافق على مراقبين دوليين لمراقبة وقف للنار بين النظام ومعارضيه فيما تتهم العاصمة السورية وحتى روسيا الدول العربية بالتخريب على مبادرة الموفد المشترك للجامعة العربية والامم المتحدة كوفي انان الذي يأتي المراقبون الى سوريا بموجب الخطة التي تقدم بها.
انها مفارقة لافتة حول تغيير اطار الازمة في الوقت الذي لا يزال البعض منشغلا في الجدل حول من كسب المعركة اي النظام او المعارضة خصوصا في لبنان حيث للنظام حلفاء سارعوا الى الظهور مجددا على المستوى السياسي تعبيرا عن استعادة النظام التقاط انفاسه وتاليا قدرته على التأثير في جواره اللبناني على نحو خاص ربما من اجل التغطية على توقيع البروتوكول مع الامم المتحدة حول التزام الخطة الدولية. اذ ان هذا البروتوكول يعد ابرز مظهر او تعبير لتدويل الازمة السورية في ظل اهتمام شبه يومي تعبر عنه مواقف متابعة لمسؤولي الدول الكبرى افراديا او من خلال اجتماعات او لقاءات ثنائية او اكثر تتناول الوضع في سوريا.
وفي موقف لمفوض الامم المتحدة لشؤون اللاجئين انطونيو غوتيراس الاسبوع الماضي اعلن ان الوضع في سوريا يستأثر بالاهتمام الدولي على نحو يحجب الاهتمام عن وضع الساحل اي بين منطقة الصحراء الغربية وجنوب السودان على رغم وجود اكثر من 15 مليونا في حاجة الى مساعدة من الجفاف والجوع بينهم مليون ونصف مليون طفل. كما ان التدويل هو التعبير الاهم عن انتقال سوريا الى مكان آخر مختلف يسمح القول بسهولة ان العودة الى الوراء باتت مستحيلة بالنسبة الى نظام بات يحتاج الى مراقبين على ارضه من اجل التثبت من حسن التزامه خطة سلام راهنة في مقابل وقف حركة معارضيه او امله في ذلك من خلال حركة المراقبين نفسها. وخرجت الازمة من يد النظام ولو ان كثرا يعتقدون ان ما يجري راهنا هو محاولة كسب الوقت من اجل استعادتها الى نطاق قدرته، وبات الوضع السوري الذي يراد تطويقه من خلال ما حصل تحت المراقبة حتى اشعار آخر وسط تأكيدات روسية مستمرة حتى الامس القريب بعدم السماح بأي تدخل اجنبي في سوريا يمكن ان ينال من سيادتها وعلى نحو يعبر ان التصريحات العلنية اليومية لا توحي بتراجع الدول الكبرى عن اي من مواقفها، في حين انه يظهر انها قامت فعلا بتسويات واضحة بغض النظر عن مداها. فهذا الموقف الروسي الذي ينقضه وصول المراقبين ولاحقا ربما توفير الطائرات لهم لمراقبة الوضع فوق الاراضي السورية يقابله تعامل غربي نأى بنفسه عن المطالبة العلنية برحيل الرئيس السوري او تنحيته على امل ان تحقق له الخطة التي وافق عليها مجلس الامن الدولي ذلك. اذ ان الغرب استوعب ما يعتبره خطأ انزلق اليه بدعمه الخطة العربية التي طالبت الرئيس السوري بشار الاسد بنقل صلاحياته الى نائبه في وقت كان لا يزال يتمتع بالقوة العسكرية لرفض ذلك لكنه لن يقبل استمراره في السلطة بعد ما حصل من مجازر في سوريا.
ومع ان تنفيذ خطة انان هو تحت المجهر في انتظار التثبت من التزام الافرقاء المعنيين اياها، فان ثمة ما يوحي بان هناك امورا تم الاتفاق عليها بين الدول الكبرى ويجري تنفيذها من دون معرفة ما حصل فعلا في التوافق الدولي الذي اثمر خطة انان ولاحقا الضغوط الروسية والصينية من اجل تنفيذها. فالازمة في سوريا اكتسبت وبغض النظر عن التفاصيل المتصلة بتحفظات البعض والتصريحات اليومية ابعادا لا تسمح بها متابعة التفاصيل اليومية للمعارك او الغرق في حسابات الاطراف اللبنانية على هذا الصعيد. ويشكل التدويل ووصول المراقبين احد هذه الابعاد الاساسية واول الغيث.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك