يعكس الاهتراء الداخلي مدى ترابط الحدث السوري المتدحرج بالحركة السياسية اللبنانية. فمنذ 15 آذار والوضع السوري يتدهور تدريجا في غياب أفق محسوم في المواعيد التي حددها المجتمع الغربي لضبط سلوك النظام السوري تحت السقف الذي حدده الرئيس الاميركي باراك اوباما للرئيس السوري بشار الاسد: الاصلاح او الرحيل. وهو موقف لاقاه به الاوروبيون، في حين يتقاطع لبنان مع سوريا في ملف المحكمة الدولية والحديث عن نشر القرار الاتهامي.
وازاء هذا التدهور يعيش حلفاء دمشق ضبابية في مواجهة الحدث السوري، ترجمت في اسلوب ادارتهم للازمة. ففي الايام الاولى للثورة السورية، ذهب هؤلاء الى اعتبارها حركة محدودة لن تلبث ان تنطفىء، فنظام الاسد ليس نظام الرئيس المصري السابق حسني مبارك، والشعب السوري ليس الشعب المصري ولا التونسي. اسبوعا بعد آخر، بدأ بعض اقرب الحلفاء لدمشق، سياسيين واعلاميين، يقرون في مجالسهم الخاصة بأن ثمة واقعا سوريا لا يمكن اغفاله، ولا قدرة تاليا على التحكم به بعد الآن. ثم جاءت اطلالة الاسد ومستشارته بثينة شعبان والكلام على الاصلاحات ليريح بعض الشيء حلفاء سوريا. لكن المواجهات الدامية اعادتهم الى خانة الانتظار، مع القيام بمراجعة المحصلة التي خلصت اليها الاحداث السورية بعد نحو شهرين ونيف على اندلاعها، ولم تكن محصلة ايجابية.
ينقسم هؤلاء الحلفاء مجموعات عدة، منهم من له تاريخ طويل من العلاقة يعود الى ما قبل 1990، ومنهم من ارتبط بالنظام السوري بعلاقة مصالح بعد اتفاق الطائف، او نسج علاقة امنية وعسكرية استراتيجية، ومن حاول اقامة علاقة تحالف بعد خروج الجيش السوري من لبنان عام 2005. ولكل فريق مستويات متعددة من العلاقة ومن الترجمة الآنية للحدث السوري لبنانيا.
المحطة الاولى التي عكست حال التريث اللبناني، كانت قبول مسيحيي 8 آذار بالاجتماع مع مسيحيي 14 آذار في بكركي. ثم جاءت الشروط الحكومية المتبادلة لتعكس واقعا جديدا يُختصر في الهامش الذي يتحرك به مسيحيو المعارضة الجديدة للتفلت من التمنيات السورية. وكذلك الامر بالنسبة الى رئيس الوزراء المكلف، الذي يقسم الادوار بين شقيقه المواظب على زيارة دمشق في عز الازمة، فيما هو يتقاطع مع الشروط الاميركية بمنع تشكيل حكومة من لون واحد.
اما الطرف الشيعي فبقي على مسافة من الحدث السوري - لبنانيا، فيما كانت المعارضة السورية تتهم "حزب الله" بأنه يشارك في قمعها في سوريا. اما داخليا فسعى الى فرض حال من الجمود السياسي ترقبا لآفاق ما تريده الدول الغربية من دمشق وتوتر الاوضاع الايرانية الداخلية. فيما ينصرف الرئيس نبيه بري الى الدوران في حلقة مفرغة باستحداث ازمة جديدة حول عقد جلسة نيابية تشريعية.
ومع تفاقم الاوضاع السورية، وتطور المواقف الاميركية والاوروبية، يقف حلفاء دمشق امام استحقاقات جديدة. وهي تحديات تفرضها عاجلا ام آجلا المواقف الغربية التصاعدية والعقوبات والاحداث السورية الامنية الداخلية. فحتى الان لم يترجم لبنان وقوفه الى جانب النظام او الشعب السوري ترجمة عملية، رغم اصوات "رسمية" تعتبر ان المصلحة النهائية للبنان ليست في معاداة النظام اليوم ولا الوقوف على الحياد، بل في التماهي معه كما حصل في الجنوب في ذكرى النكبة. وفي ما عدا تحركات محدودة، لا يزال التعاطي مع الملف السوري حذرا. لكن التطورات الاخيرة ستجبر اللبنانيين على اتخاذ مواقف اكثر وضوحا وانحيازا لهذا الطرف او ذاك. لذا جاء تحذير وزير الخارجية السوري وليد المعلم للبنان من ان "لبنان لا يستفيد من الازمة السورية"، ليضع اللبنانيين امام خيارات اساسية. وكذلك ما قاله الامين العام للمجلس اللبناني - السوري نصري خوري بعد لقائه نائب الرئيس السوري فاروق الشرع "عن ضرورة رفع مستوى التعاون والتنسيق بين البلدين في ظل ما يحاك للمنطقة من مؤامرات".
وطرح تسليم لبنان العسكريين السوريين الى دمشق وفقا للاتفاقات الثنائية، (وقد سأل مساعد وزيرة الخارجية الاميركية لشؤون الشرق الادنى جيفري فيلتمان عن الموضوع مع محدثيه الكبار في لبنان)، علامات استفهام عن مستقبل هذه الاتفاقات في ضوء العقوبات الاوروبية، وامكان توسيعها والمناداة بترجيح الاتفاقات الانسانية عليها. فيما تحدث الاتحاد الاوروبي عن احتمال مراجعة دول لعلاقتها الثنائية مع دمشق.
ويقول خبير في القانون الدولي ان "لبنان ملزم اعطاء الاولوية الى القرارات الدولية، اذا وصلت العقوبات الى مجلس الامن، وليس الاتفاقات الثنائية. اما راهنا فالامر لا يزال قانونا لصالح الاتفاقات الثنائية". لكنه يشير الى ان لبنان "مضطر سياسيا اذا توسعت العقوبات الاميركية او الاوروبية، واتخذت تدابير اكثر تفصيلا، الى المفاضلة بين المجموعة الدولية، اي الولايات المتحدة واوروبا، وبين علاقته مع سوريا".
ويبقى ما طرحه فيلتمان في بيروت: اي موقف للبنان في الامم المتحدة اذا وصل الامر الى مجلس الامن؟
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك