من كان ليصدّق أنه سيحلّ يوم وتصير المحادثات التي يجريها الزوار الأجانب الكبار مع المسؤولين اللبنانيين، والتي تطوّق عادة بجدار من السرية، على «سطوح» مواقع التواصل الاجتماعي؟ فتصبح «تغريداتٍ» منشورة على حبال «تويتر» الوهمية ليتسنى لكل متابع أن «يبلّ يديه» بها!
حصلت مع وزير الطاقة سيزار أبي خليل ورئيس مجلس إدارة شركة «سيمنز» الألمانية جو كايسر. انتقلت مفاوضاتهما حول وضع قطاع الكهرباء في لبنان من المكاتب المغلقة إلى الفضاء الافتراضي. بات في إمكان أي لبناني أن يشارك في النقاش العلني ويوثّق رأيه في أرشيف «تويتر».
لا يهم إن كان يَفقه بالملف أو خبيراً تقنياً أو هو مجرد هاوي مشاغبة أو حشرية. المهم أنّ المسألة تحوّلت «سوق عكاظ» مفتوحة تحرّكه الهواتف الذكيّة على مرأى من ملايين المتابعين.
خلال الأسبوع الماضي فاض تطبيق «الواتساب» بفيديوهات قصيرة توثق مقاطع من مقابلات تلفزيونية استضافت رئيس مجلس إدارة «سيمنز» خلال زيارته العراق، لترفع منسوب «الشواهد» المُثبِتَة «بالوجه المرئي» أنّ وزير الطاقة اللبناني ضيّع على لبنان فرصة ذهبية قد تنقذه من «حيتان الكهرباء» التي ترسو قبالة شاطئه، والمقصود بها معامل توليد الطاقة المحمّلة على الباخرتين التركيتين.
أقلّه، هذه فرضية معارضي العهد وسياسته الكهربائية. في نظر هؤلاء، كان يفترض بوزير الطاقة اللبناني تلقّف العرض الألماني الذي قدّم خلال زيارة المستشارة انجيلا ميركل للبنان، أسوة بما فعله المصريون الذين «خطفوا» العرض الألماني ونجحوا في إنشاء محطات توليد كهرباء بقدرة 14400 ميغاوات، وبكلفة قدّرت بنحو 8 مليارات من الدولارات، مع العلم أنّ الخزينة اللبنانية تتكبد سنوياً عجزاً يتخطى مليارين من الدولارات لإنتاج الكهرباء، قلّما نلمح وجودها في أسلاك المنازل.
هكذا، أُمْطِر سيزار أبي خليل بوابل من الانتقادات محمّلة إياه مسؤولية الاستلشاق بـ»الكنز» الذي وضع أمامه، وهو عبارة عن عرض ألماني من شأنه إنقاذ لبنان من «العتمة» ومن الغرق في المديونية التي يتحمل قطاع الكهرباء جزءاً من عجزها.
ولكن المعطيات الموجودة بين يَدي وزير الطاقة اللبناني، لها رواية أخرى. يقول أبي خليل في مجالسه إنّ رئيس مجلس إدارة الشركة الألمانية لم يتحدث إلّا في مسألتين: شبكة الكهرباء لجهة عرض تطوير الشبكة الذكية، وتقديم مولدات بقدرة 40 ميغاوات، رفضها أبي خليل بسبب ارتفاع كلفتها.
ويضيف وزير الطاقة اللبناني إنّ وزير الاقتصاد الألماني، الذي كان في عداد الوفد الرسمي، علّق بدوره على النقاش الذي دار أمامه بأنّ رئيس الشركة العملاقة يتعامل أحياناً ببعض «الخشونة»، قائلاً: «يبدو أنّه غير مطلع كفاية على الوضع اللبناني، ولم يحضّر ملفه بما يلائم الوضع».
لا بل أكثر من ذلك، يستند المدافعون عن وجهة نظر أبي خليل إلى انّ إطلالات كايسر الإعلامية تحمل ما يكفي من الدلائل الحسية التي تؤكد أنّ الرجل يتعامل مع العروض التي يقدّمها لدول المنطقة بكثير من الاستخفاف.
حتى أنّ تغريداته بنظر هؤلاء، فيها شيء من «اللامهنية» وكأنها «سَوْلَفة» على الطريقة اللبنانية، ما يثير التساؤل حول وجود طرف ثالث «محرّض». إذ من المستغرب أن يستخدم رئيس مجلس ادارة شركة عملاقة قد تتجاوز موازنتها الست مليارات من الدولارات تعابير لا تتناسب وموقعه كرجل أعمال، كـ«مساعدة» أو «الشعب اللبناني يستحقّ هذا»... وهي تصلح عادة لمؤسسات اجتماعية أو خيرية، لا لشركات تبغي الربح!
ومع ذلك، فقد تجاوب أبي خليل، وفق عارفيه، مع رسائل «الحمام الزاجل»، حيث تلقّى مكتبه قبل ساعات طلب تحديد موعد من شركة «سيمنز» للقائه، ولكن حتى اللحظة لم يتمّ الاتفاق على موعد مشترك لأنّ التاريخ الذي طلبته الشركة يصادف مع موعد للوزير اللبناني في ميلانو للمشاركة في معرض دولي للطاقة.
بالنسبة الى الوزير «العوني»، القطبة المخفية الكامنة وراء تلك الضجة التي أثيرت، هي في السياسة. الحملة التي تخاض ضدّ العهد، قد تفسر كل شيء، خصوصاً أنه لا يجوز مقارنة التجربة اللبنانية بالتجربة المصرية مع الشركة الألمانية، لأنّ مصر أنشأت محطات توليد كهرباء بقدرة 14400 ميغاوات، بينما لبنان لا يحتاج لأكثر من 1000 ميغاوات. وبالتالي إنّ العرضين مختلفين كلياً في سلّم الأسعار، كما أنّ الجيش المصري ساهم في عمليات الإنشاء.
لعبة جديدة
يروي أبي خليل، انه ليس من باب المصادفة في هذا التوقيت بالذات، أن يضع يده على «لعبة ما» مشبوهة في رأيه، كان من الممكن أن تُستغلّ ضدّه في الإعلام لو ترك لها المجال. فهو علم أنّ أحد أصدقائه القدامى من أصحاب الشركات العاملة في مجال الطاقة، تلقى رسالة عبر بريده الالكتروني من شركة أجنبية تعرّف عن نفسها أنها بريطانية، تعرض عليه التواصل مع مسؤولين لبنانيين رفيعي المستوى بينهم وزير الطاقة!
وقد تم إبلاغ الجهات الأمنية اللبنانية المختصة، التي وضعت يديها على الملف لمعرفة من وراءه. ولكن في نظر وزير الطاقة، إنّ المسألة مشبوهة وهي ليست بريئة أبداً، خصوصاً أنها شركة مغمورة لا صِلات لها بوزارة الطاقة. كما أنّ لا حاجة للشركات العاملة في مجال الطاقة في لبنان لأيّ وسيط، لأنّ غالبيتها تشارك عادة في مناقصات القطاع. ولهذا يعتقد أبي خليل أنّها محاولة غير بريئة لافتعال ضجة جديدة.
الخطة "القواتية"
في السياسة أيضاً، يتحدث عارفو أبي خليل عن الحملة التي تخوضها «القوات» في مجال الكهرباء، حيث تتبرع بإقناع اللبنانيين في أنّها تملك عصا سحرية وقادرة على حلّ هذه الأزمة. ويقولون إنّه في بداية 2017 توجّه أبي خليل إلى معراب للقاء رئيس حزب «القوات» سمير جعجع، وعرض عليه خطة الكهرباء يوم كان الفريقان يغرقان في العسل.
يومها، يضيف هؤلاء، كان تركيز المضيف على التجربة الزحلية لتعميمها، على طريقة «محاصصة» المناطق المسيحية بين «التيار الوطني الحر» و»القوات»، من خلال اعتماد الخصخصة وتسليم القطاع لشركات قريبة من الحزبين. ليسألوا: هل هذه هي الخطة التي تعد بها «القوات» اللبنانيين؟
حصلت مع وزير الطاقة سيزار أبي خليل ورئيس مجلس إدارة شركة «سيمنز» الألمانية جو كايسر. انتقلت مفاوضاتهما حول وضع قطاع الكهرباء في لبنان من المكاتب المغلقة إلى الفضاء الافتراضي. بات في إمكان أي لبناني أن يشارك في النقاش العلني ويوثّق رأيه في أرشيف «تويتر».
لا يهم إن كان يَفقه بالملف أو خبيراً تقنياً أو هو مجرد هاوي مشاغبة أو حشرية. المهم أنّ المسألة تحوّلت «سوق عكاظ» مفتوحة تحرّكه الهواتف الذكيّة على مرأى من ملايين المتابعين.
خلال الأسبوع الماضي فاض تطبيق «الواتساب» بفيديوهات قصيرة توثق مقاطع من مقابلات تلفزيونية استضافت رئيس مجلس إدارة «سيمنز» خلال زيارته العراق، لترفع منسوب «الشواهد» المُثبِتَة «بالوجه المرئي» أنّ وزير الطاقة اللبناني ضيّع على لبنان فرصة ذهبية قد تنقذه من «حيتان الكهرباء» التي ترسو قبالة شاطئه، والمقصود بها معامل توليد الطاقة المحمّلة على الباخرتين التركيتين.
أقلّه، هذه فرضية معارضي العهد وسياسته الكهربائية. في نظر هؤلاء، كان يفترض بوزير الطاقة اللبناني تلقّف العرض الألماني الذي قدّم خلال زيارة المستشارة انجيلا ميركل للبنان، أسوة بما فعله المصريون الذين «خطفوا» العرض الألماني ونجحوا في إنشاء محطات توليد كهرباء بقدرة 14400 ميغاوات، وبكلفة قدّرت بنحو 8 مليارات من الدولارات، مع العلم أنّ الخزينة اللبنانية تتكبد سنوياً عجزاً يتخطى مليارين من الدولارات لإنتاج الكهرباء، قلّما نلمح وجودها في أسلاك المنازل.
هكذا، أُمْطِر سيزار أبي خليل بوابل من الانتقادات محمّلة إياه مسؤولية الاستلشاق بـ»الكنز» الذي وضع أمامه، وهو عبارة عن عرض ألماني من شأنه إنقاذ لبنان من «العتمة» ومن الغرق في المديونية التي يتحمل قطاع الكهرباء جزءاً من عجزها.
ولكن المعطيات الموجودة بين يَدي وزير الطاقة اللبناني، لها رواية أخرى. يقول أبي خليل في مجالسه إنّ رئيس مجلس إدارة الشركة الألمانية لم يتحدث إلّا في مسألتين: شبكة الكهرباء لجهة عرض تطوير الشبكة الذكية، وتقديم مولدات بقدرة 40 ميغاوات، رفضها أبي خليل بسبب ارتفاع كلفتها.
ويضيف وزير الطاقة اللبناني إنّ وزير الاقتصاد الألماني، الذي كان في عداد الوفد الرسمي، علّق بدوره على النقاش الذي دار أمامه بأنّ رئيس الشركة العملاقة يتعامل أحياناً ببعض «الخشونة»، قائلاً: «يبدو أنّه غير مطلع كفاية على الوضع اللبناني، ولم يحضّر ملفه بما يلائم الوضع».
لا بل أكثر من ذلك، يستند المدافعون عن وجهة نظر أبي خليل إلى انّ إطلالات كايسر الإعلامية تحمل ما يكفي من الدلائل الحسية التي تؤكد أنّ الرجل يتعامل مع العروض التي يقدّمها لدول المنطقة بكثير من الاستخفاف.
حتى أنّ تغريداته بنظر هؤلاء، فيها شيء من «اللامهنية» وكأنها «سَوْلَفة» على الطريقة اللبنانية، ما يثير التساؤل حول وجود طرف ثالث «محرّض». إذ من المستغرب أن يستخدم رئيس مجلس ادارة شركة عملاقة قد تتجاوز موازنتها الست مليارات من الدولارات تعابير لا تتناسب وموقعه كرجل أعمال، كـ«مساعدة» أو «الشعب اللبناني يستحقّ هذا»... وهي تصلح عادة لمؤسسات اجتماعية أو خيرية، لا لشركات تبغي الربح!
ومع ذلك، فقد تجاوب أبي خليل، وفق عارفيه، مع رسائل «الحمام الزاجل»، حيث تلقّى مكتبه قبل ساعات طلب تحديد موعد من شركة «سيمنز» للقائه، ولكن حتى اللحظة لم يتمّ الاتفاق على موعد مشترك لأنّ التاريخ الذي طلبته الشركة يصادف مع موعد للوزير اللبناني في ميلانو للمشاركة في معرض دولي للطاقة.
بالنسبة الى الوزير «العوني»، القطبة المخفية الكامنة وراء تلك الضجة التي أثيرت، هي في السياسة. الحملة التي تخاض ضدّ العهد، قد تفسر كل شيء، خصوصاً أنه لا يجوز مقارنة التجربة اللبنانية بالتجربة المصرية مع الشركة الألمانية، لأنّ مصر أنشأت محطات توليد كهرباء بقدرة 14400 ميغاوات، بينما لبنان لا يحتاج لأكثر من 1000 ميغاوات. وبالتالي إنّ العرضين مختلفين كلياً في سلّم الأسعار، كما أنّ الجيش المصري ساهم في عمليات الإنشاء.
لعبة جديدة
يروي أبي خليل، انه ليس من باب المصادفة في هذا التوقيت بالذات، أن يضع يده على «لعبة ما» مشبوهة في رأيه، كان من الممكن أن تُستغلّ ضدّه في الإعلام لو ترك لها المجال. فهو علم أنّ أحد أصدقائه القدامى من أصحاب الشركات العاملة في مجال الطاقة، تلقى رسالة عبر بريده الالكتروني من شركة أجنبية تعرّف عن نفسها أنها بريطانية، تعرض عليه التواصل مع مسؤولين لبنانيين رفيعي المستوى بينهم وزير الطاقة!
وقد تم إبلاغ الجهات الأمنية اللبنانية المختصة، التي وضعت يديها على الملف لمعرفة من وراءه. ولكن في نظر وزير الطاقة، إنّ المسألة مشبوهة وهي ليست بريئة أبداً، خصوصاً أنها شركة مغمورة لا صِلات لها بوزارة الطاقة. كما أنّ لا حاجة للشركات العاملة في مجال الطاقة في لبنان لأيّ وسيط، لأنّ غالبيتها تشارك عادة في مناقصات القطاع. ولهذا يعتقد أبي خليل أنّها محاولة غير بريئة لافتعال ضجة جديدة.
الخطة "القواتية"
في السياسة أيضاً، يتحدث عارفو أبي خليل عن الحملة التي تخوضها «القوات» في مجال الكهرباء، حيث تتبرع بإقناع اللبنانيين في أنّها تملك عصا سحرية وقادرة على حلّ هذه الأزمة. ويقولون إنّه في بداية 2017 توجّه أبي خليل إلى معراب للقاء رئيس حزب «القوات» سمير جعجع، وعرض عليه خطة الكهرباء يوم كان الفريقان يغرقان في العسل.
يومها، يضيف هؤلاء، كان تركيز المضيف على التجربة الزحلية لتعميمها، على طريقة «محاصصة» المناطق المسيحية بين «التيار الوطني الحر» و»القوات»، من خلال اعتماد الخصخصة وتسليم القطاع لشركات قريبة من الحزبين. ليسألوا: هل هذه هي الخطة التي تعد بها «القوات» اللبنانيين؟
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك