أعاد الرئيس ميشال سليمان أمس تأكيد رفضه إصدار مشروع القانون المعجّل بإنفاق إضافي بـ8900 مليار ليرة بمرسوم، وقدّم حجّة إضافية ـ إلى انطواء المشروع على مخالفة دستورية ـ هي عدم صلاحيته للإنفاق عن عام 2012. بذلك كرّس خلافه الحاد مع قوى 8 آذار في مجلس الوزراء
مع أن رئيس الجمهورية ميشال سليمان قرن مبرّرات امتناعه عن إصدار مشروع القانون المعجّل، القاضي بإنفاق إضافي بقيمة 8900 مليار، بمرسوم بتضمّنه مخالفة دستورية لا يسعه تثبيتها وتعريض القانون لاحقاً لإبطال من المجلس الدستوري، جارى رئيس الحزب التقدّمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط ذريعة قوى 14 آذار، وتيّار المستقبل خصوصاً، بالتمسّك بربط إنفاق 8900 مليار ليرة بمبلغ مماثل سبقه بإنفاق مشابه من خارج موازنة 2005 هو 11 مليار دولار بين عامي 2006 و2010، ساعياً إلى إبراء ذمّة مزدوج.
جهر رئيس الجمهورية بالعقبة الرئيسية وهي المخالفة الدستورية، وأوحى بإنجاز تسوية على هذا الإنفاق من داخل مجلس النواب دونما اللجوء إلى المادة 58 من الدستور، كي يشير ضمناً إلى تأييده إبراء ذمّة مزدوجاً لإنفاقي 8900 مليار ليرة و11 مليار دولار، منضوياً في وجهة نظر جنبلاط. فإذا به وجهاً لوجه قبالة وزراء 8 آذار: رفضوا ربط الإنفاقين قبل أن يرفضوا امتناع الرئيس عن إصدار مشروع القانون.
تلك هي المشكلة التي تتخبّط فيها، منذ نيسان الماضي، السلطتان الإجرائية والاشتراعية، وكذلك الغالبية الحكومية، دون التوصّل إلى النتيجة المتوخاة:
ــ لا الغالبية النيابية قادرة على التصويت على المشروع المعجّل في البرلمان وإقراره.
ــ ولا على إمرار التعديل الذي أدخلته عليه لجنة المال والموازنة في خمس جلسات عقدتها بين 3 أيلول وأول تشرين الثاني 2011، وأقرّتها بالإجماع بما في ذلك نواب تيّار المستقبل، أعضاء اللجنة.
ــ ولا رئيس الجمهورية يريد إصدار المشروع المعجّل عملاً بالمادة 58، بعد انقضاء مهلة 40 يوماً لتلاوته في الجلسة العامة، التي عقدها البرلمان في 22 شباط2012 و23 منه وناقشه ساعتين، وتعذّر التصويت عليه لفقدان النصاب.
ــ ولا الحكومة قادرة على مبادرة ثالثة تذلّل النزاع الناشب داخل الأكثرية الحكومية بين سليمان وجنبلاط ووزراء تكتّل التغيير والإصلاح وحزب الله وحركة أمل، رغم تفاهم قضى في الأيام المنصرمة بتكليف وزير المال محمد الصفدي وضع مشروع قانون جديد أمام مجلس الوزراء، يأخذ في الاعتبار تعديلات لجنة المال والموازنة على مشروع القانون المعجّل، وينظّفه من شوائب المخالفة الدستورية التي يتوجّس منها رئيس الجمهورية.
مع ذلك، اصطدمت الصيغة المعدّلة بالتحفّظ نفسه من قوى 14 آذار، وتحفّظ عنها كذلك وزراء 8 آذار، لكونها تضع مشروعاً جديداً للإنفاق الإضافي بـ 8900 مليار ليرة، فيما لدى الهيئة العامة لمجلس النواب مشروع معدّل كانت قد أقرته اللجنة المختصة، وأخفق توفير النصاب الكافي للتصويت عليه. بذلك بات في التداول مشروعان لصيغة واحدة: أحدهما لدى الحكومة، وآخر في مجلس النواب.
على طرف نقيض من ذلك، يصرّ وزراء 8 آذار على استخدام سليمان، في ظلّ مأزق تعذّر التصويت على المشروع المعجّل، صلاحيته المنصوص عليها في المادة 58. فالرجل استخدم الصلاحية جزئياً عندما أحال مشروع القانون على مجلس النواب بمرسوم في 23 آب 2011، بعدما أضيفت إليه صفة العجلة التي لا ترد في الدستور سوى في المادة 58، بينما مشاريع القوانين العادية الأخرى، غير المرعية بصفة العجلة، ترعاها المادة 53 في نطاق تحديد صلاحيات رئيس الجمهورية. وكلتا المادتين تضع صلاحية الإحالة عند رئيس الجمهورية. استخدم سليمان المادة 58 في الذهاب عندما أحال المشروع المعجّل على البرلمان، والأحرى استكمال استخدامها في الإياب بعد انقضاء مهلة 40 يوماً من دون التصويت عليه، فيتولى الرئيس إصداره.
هكذا، استوفى المشروع المعجّل الشروط الواجبة المنصوص عليها في المادة 58 لإصداره بمرسوم يضعه موضع التنفيذ.
لا هذا حصل ولا ذاك. وهكذا دخل سليمان وجنبلاط وقوى 8 آذار في مأزق مثير للتساؤل: أزمة من داخل ائتلاف الأكثرية الحاكمة في مجلسي الوزراء والنواب معاً، العاجزة عن التوصّل إلى تسوية.
تحت وطأة هذا المأزق، أرجئت جلسة مجلس الوزراء الخميس (3 أيار)، وتلاحقت الجهود والاتصالات لتعويم تفاهم آخر على مخرج يسبق جلسة المجلس الوزراء الأسبوع المقبل، من غير أن تتضح بعد ملامح التسوية الجديدة بين فريقي النزاع في الغالبية الحكومية، وبينهما وبين قوى 14 آذار التي تتفرّج بشماتة علنية على تناحر الحلفاء.
في الساعات الأخيرة تنقّل اقتراح بين أكثر من جهة رسمية رمى إلى تأجيل إقرار قطع الحسابات بإحالته على ديوان المحاسبة، وإتاحة الفرصة أمامه لمناقشته واتخاذ القرارات في شأنه في الأشهر المقبلة، في مقابل إقرار الإنفاق الإضافي وموازنة 2012. سرعان ما رفض وزراء تكتّل التغيير والإصلاح وحزب الله وحركة أمل الاقتراح، لكونه يرمي إلى إقرار الموازنة خلافاً للمادة 87 من الدستور من خلال صرف النظر عن قطع الحساب، فضلاً عن أن قطوع الحسابات بين سنتي 1993 و2005 دوّن عليها ديوان المحاسبة تحفظه، وأصدر بها عشرات القرارات التي تناولت شوائب حساباتها المالية، وعدم تدقيقها ومخالفاتها وعدم تطابق أرقام الهبات والسلفات، وكذلك الفروق بين الحسابات.
ومع أن هذا الفريق اشتمّ رائحة قصر بعبدا في الاقتراح، إلا أنه عدّه وجهاً آخر لذاك الذي كانت قد تقدّمت به قوى 14 آذار قبل أيام، عندما تعهّدت الموافقة على الإنفاق الإضافي بـ 8900 مليار حتى نهاية حزيران، تكون الحكومة قد أنجزت حتى ذلك الوقت موازنة 2012. وبدا من مبادرة قوى 14 آذار ـــــ متلاقية مع الاقتراح المستجد ـــــ محاولة لتعليق قطع الحساب وتصفير الأرقام والعدّادات والاكتفاء بإقرار موازنة 2012 كمخرج وحيد للأزمة، أو إعادة ربط إنفاق 8900 مليار ليرة بـ11 مليار دولار، كي يعكس هذا الموقف، كما يقول وزير بارز في الغالبية الحكومية، جبل جليد الأزمة. وهو الهروب من قطع الحساب عن السنوات الماضية ودفنها نهائياً كمخرج مكمّل لإبراء ذمة. فإذا بها انتهت إلى معطيات، أبرزها:
1 ــ عارض وزراء 8 آذار تكليف سليمان وزير المال وضع مشروع قانون جديد بإنفاق8900 مليار ليرة يُحال بعد إقراره في مجلس الوزراء بصفة العجلة على مجلس النواب كي تدرسه لجنة المال، ثم يبدأ سريان مهلة 40 يوماً جديدة، فيما لدى الهيئة العامة مشروع معجّل ينتظر اكتمال النصاب للتصويت عليه.
2 ــ يتمسّك وزراء 8 آذار بفصل إنفاق 8900 مليار عن إنفاق 11 مليار دولار، ويرون أن ربط أحدهما بالآخر يمثل مخالفة دستورية، نظراً إلى أن المشروع المعجّل يرمي إلى الإجازة للحكومة الإنفاق لتسيير عجلة الإدارات والمؤسسات، لا قوننة إنفاق سابق، كالذي يتطلبه مبلغ 11 مليار دولار.
3 ــ يعارض هذا الفريق ربط إقرار اعتماد 8900 مليار ليرة بإقرار موازنة 2012، من دون أن يسبقها إقرار قطع الحسابات السنوات السابقة، تبعاً للمادة 87 من الدستور، التي لا تجيز نشر الموازنة في الجريدة الرسمية قبل المصادقة على قطع الحساب.
4 ــ دافع رئيس لجنة المال والموازنة النائب إبراهيم كنعان عن تعديلات اللجنة ـــــ وقد تبنّاها تكتل التغيير والإصلاح ثم حلفاؤه في الغالبية ـــــ في كتاب وجهه إلى رئيس الجمهورية في 13 نيسان، أكد له فيه أن «الاعتماد الإضافي بـ 8900 مليار ليرة، الذي يُعدّ اعتماداً إضافياً إلى اعتمادات موازنة 2005 عند احتساب القاعدة الاثني عشرية خلال عام 2012، يخضع لأحكام المادة 86 من الدستور، والمادة 60 من قانون المحاسبة العمومية. فينتهي مفعول الأحكام الاستثنائية الواردة في مشروع قانون 8900 مليار ليرة، ولا سيما منها المتعلقة بصلاحية توزيع الاعتمادات والنقل من باب إلى آخر، لتسري الأحكام المنصوص عليها في المادة 60 من قانون المحاسبة العمومية، وبخاصة توزيع اعتمادات التجهيز والإنشاء بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء، بناءً على اقتراح وزير المال والوزراء المختصين، وكذلك نقل الاعتمادات من احتياطي الموازنة بمراسيم تتخذ في مجلس الوزراء، بناءً على اقتراح وزير المال والوزير المختص».
5 ــ في رسالته هذه، أبرَزَ كنعان لسليمان أهمية إصدار المشروع المعجّل بمرسوم رغم دفاعه عن تعديلات لجنة المال التي يتجاوزها الإصدار. ولاحظ أن إصداره بمرسوم يتيح حلّ الخلاف بين الحكومة والمعارضة حول ربط إقرار المشروع بتسوية التجاوز في إنفاق سنوات 2006 ـــــ 2010، ويضمن حلاً دستورياً وقانونياً لإنفاق 2011، وحلاً دستورياً وقانونياً لإنفاق 2012 إلى حين إقرار موازنة هذه السنة.
6 ــ في تقدير وزراء الغالبية أن الاعتماد الإضافي بـ 8900 مليار ليرة لا ينطوي على تسوية، نظراً إلى أن هذه تضفي صفة قانونية على المخالفة المرتكبة. بينما الإنفاق الإضافي لحكومة الرئيس نجيب ميقاتي هو من أصل سلفات خزينة لا يصحّ وصفها بمخالفة، إلا إذا لم يتأمن الاعتماد اللازم لتسديدها بعد سنة من تاريخ منحها، لكون منح سلفات الخزينة التي يتجاوز أجل تسديدها 12 شهراً تتطلّب موافقة مجلس النواب وفق المادة 204 من قانون المحاسبة العمومية.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك