بعد خمسة عشر يوما بالتمام يحتفل لبنان بذكرى استقلاله الخامسة والسبعين، في مناسبة تجمع اركان الدولة لحضور العرض العسكري للقوات المسلحة كما في كل عام. لكن صورة المشهد الجامع لأركان الحكم برئاسة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي بدأ عامه الثالث من العهد قبل اسبوع، ستبقى منقوصة في ظل غياب حكومة اصيلة وسط عجز عن تشكيلها منذ ستة اشهر ونصف الشهر، اذا ما استمر حتى 22 الجاري، وهو الامر الاكثر ترجيحا في ظل المعطيات والتعقيدات المحيطة بواقع التأليف، والمواقف الداعية الى تفعيل حكومة تصريف الاعمال، على رغم ان الرئيس المكلف سعد الحريري انجز تشكيلته وغادر الى العاصمة الفرنسية، في انتظار حل يبدو ان جهة وحيدة تملك مفتاحه حتى الساعة.
وتحل الذكرى هذا العام ايضا فيما التحديات الجسام تحيط بالبلاد من كل حدب وصوب. سياسيا، عقم في المعالجات وتراجع في وتيرة العمل الى حد الانعدام. اقتصاديا، شبه انهيار يدفع البلاد الى المصير المجهول الذي تحذر منه دول العالم وتبعث رسائلها المحفّزة على تشكيل الحكومة في اسرع وقت تجنبا للسقطة الكبرى وضياع فرصة النهوض من قعر وادي الازمات. اجتماعيا، موجة فقر وبطالة تكاد تلامس الحد الادنى. بيئيا، وصحيا وحياتيا في اسفل سلم التصنيفات العالمية. صورة سوداوية عن دولة هيهات منها دول مجاهل افريقيا، حيث لم تعد قادرة على مواجهة الازمات المركّبة والمفتعلة، ولا حتى اصحاب مولدات كهربائية قرروا في غفلة من الزمن ان يُغرقوا لبنان في الظلام اعتراضا على خفض منسوب ارباحهم التي انهكت اللبنانيين طوال اعوام لا لسبب، الا لان دولتهم لم تؤمن لهم الكهرباء بعد 28 عاما على انتهاء الحرب الاهلية، ولم تضع خطة كهربائية تضع حدا لاستنزاف خزينة الدولة كون معظم القيمين عليها امتهنوا سياسة الصفقات والمحسوبيات وتقاسم قطعة جبنة الدولة المنهوبة، وعوض الاستغناء عن خدماتهم ووضع خطة طارئة توفر التيار الى حين تأمينه على مدى 24 ساعة، شرّعت قطاعهم وأقرت خطة للعدادات اوحت باستمرارهم الى ما شاء الله.
وما ظلمة "كارتل" اصحاب المولدات الذين اخضعوا الدولة امس لقرارهم، واثبتوا تفوقهم عليها، الا انعكاس لصورة السلطة وقياداتها السياسية، حيث السطوة الحزبية على القرار الوطني، بحسب ما اثبتت تجربة تشكيل الحكومة التي كادت مراسيمها تصدر لو لم يُخرج حزب الله من قبعته ارنب "العقدة" السنيّة غبّ الطلب، لفرملة المسار الحكومي ربطا بالتطورات الاقليمية، كما تجمع اوساط المراقبين السياسيين.
وفي هذا المجال، تؤكد مصادر سياسية مطّلعة لـ"المركزية" ان الحزب الذي اضطر الى الكشف عن مكمن العقدة الحقيقية اثر "ضربة المعلم" القواتية بقبول دخول النادي الحكومي ولو ظلما، لم يفتعل فقط مشكلة توزير "نواب سنةّ 8 آذار" بل ما هو أخطر منها باعادة تحريك العصبية الطائفية والمذهبية في الشارع الاسلامي، حيث بدت بوضوح ملامح استفاقة الغرائز والعصبيات السنية- الشيعية البغيضة التي دفع اللبنانيون ثمنها دماً في السابق، خصوصا ان اشهاره ورقة توزير هؤلاء عكست في احد اوجهها محاولة للمس بصلاحيات رئيس الحكومة من خلال محاولة فرض وزراء عليه بسياسة التحدي في عقر داره.
وفيما بات حزب الله في ضوء تصلب الرئيس الحريري في موقفه ازاء الرفض القاطع لتوزير هؤلاء ومساندته من رئيس الجمهورية والشريحة الاوسع من اللبنانيين، محشورا في زاوية تحميله مسؤولية العرقلة في شكل فاقع، تبدي المصادر خشيتها من ان يدفع به هذا الواقع الى توتير الاجواء سياسيا او حتى امنيا اذا اضطر الامر، لاشاحة النظر عن استمرار وضعه في واجهة العرقلة، وحرمان البلاد من نبأ ولادة حكومته التي طال انتظارها.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك