يزور رئيس الجمهوريّة دول مجلس التعاون الخليجي، متمنيّاً عودة مواطنيهم لقضاء فصل الصيف في لبنان آمن مستقر، فيما تسجّل بورصة الأرقام 15 قتيلاً، وعشرات الجرحى في طرابلس نتيجة المواجهات الداميّة.
إنّه النقيض والتناقض معاً، تتحدّث فعاليات المدينة عن رفع الغطاء السياسي عن المسلّحين، فيما المطلوب رفع الغطاء عن الذين يمدّون المسلحين بالمال والسلاح والذخيرة وتقنيات الاتّصال الحديثة. المطلوب هو كشف هويّة هؤلاء، إلّا إذا كانوا معروفين، وتقضي المصالح الخاصّة بالكتمان والتستّر.
الغريب أنّ مجتمعاً يحاصره الفقر والعوز، وغالبيّة عائلاته لا تملك ثمن ربطة الخبز، يصبح بين ليلة وضحاها مجتمعاً مقاتلاً يضجّ بالسلاح والعتاد والذخيرة، فمَن يجود عليه بذلك؟
ومن هي الجهة التي تقدّم الدعم، حتى تمارس المدينة هواية الغطرسة الأمنيّة - التشبيحيّة؟ في طرابلس مسرحية دامية هي نتيجة التكاذب، إمّا القيادات لم تعد قيادات، أو أنّها في مكان، والشارع الطرابلسي في مكان آخر، أو إنّ الإمرة أصبحت في عهدة السلفييّن والإخوان، ولم تعد ملك الزعماء التقليدييّن؟
وفي طرابلس أكثر من مشهد، ومن حلقة مفرغة، يدور الحديث عن بعل محسن، وباب التبانة، ومسلّحين، وحساسيات... كلّ هذا صحيح، لكّنه ليس بوافٍ. في طرابلس حديث عن زعماء، وقيادات، وفعاليات كلّها تُجمع على وأد الفتنة، والتصدّي للعنف، لكنّ العنف يتمادى ويترسّخ، ومع كلّ صباح وطالع كلّ شمس، هناك خرق أمني أو اشتباك، فمَن يؤجّج النار لإحراق المدينة؟
ومن يلعب على الوتر الطائفي والمذهبي لضرب الهدوء والاستقرار؟ هناك طابور خامس، هناك جماعات «فاتحة على حسابها» غير مقيّدة بمرجعيّة محليّة، تتلقّى تعليماتها من الخارج، مع الأموال والسلاح، وهناك خارج لا يريد للبنان الاستقرار، بل يريد أن «يولّعها» حرب أهليّة ومذهبيّة وطائفيّة. يقول بعضهم إنّ «شبّيحة النظام السوري هي التي تعمل على تفجير الصراع الطائفي المذهبيّ، إذا كان الأمر كذلك فما هو دور القيادات؟ وأين وزنها، وتأثيرها؟ وإذا كانت المعارضة السورية هي التي تفعل هذا الفعل، فلماذا يسمح المتعاطفون معها بتخريب مدينتهم واقتصادهم؟!
لقد تركت الأحداث الأخيرة أصداءً واسعة، من الأمير سعود الفيصل، إلى أحمد داود أوغلو، إلى وزراء خارجيّة دول الاتّحاد الأوروبي... الكل يحذّر من نقل الفتنة إلى لبنان. هناك من يبني على الشيء مقتضاه عندما يسمع عن تطهير مذهبي، وعن حرق منازل ومحلات تجاريّة في أنحاء شتّى من المدينة لأنّ أصحابها ينتمون إلى مذهب معيّن، إنّه الشر المستطير.
يشتغل الأوروبيّون على وأد الفتنة، والنأي بلبنان عمّا يجري في سوريا، يأتي وزير خارجيّة ألمانيا إلى بيروت مستطلعاً ومستفسراً، وكذلك سيفعل وفد الترويكا الأوروبيّة في المستقبل القريب.
ويحمل فلاديمير بوتين الملف السوري في تجواله، لكنّ الأولوية للمصالح الروسيّة الأمنيّة والسياسيّة والاقتصاديّة التي يعالجها بسريّة مطبقة، تاركاً الوضع المتفجّر في دمشق في دائرة الصخب الإعلامي. لقد حاول ويحاول أن يوحي بأنّه الجهة الدوليّة الأكثر نفوذاً وتأثيراً في النظام، إنّه يبحث عن الصفقة، وأربابها، محتسباً بدقة التوازنات الدوليّة الفاعلة والمؤثرة في مجريات الأمور في المنطقة.
وجاء كوفي أنان ليخيّر الرئيس بشّار الأسد بين الامتثال إلى النقاط الستّ، أو «الامتثال» إلى الحرب الأهليّة، وحين لم يسمع جواباً مقنعاً، توجّه إلى الدوحة للمشاركة في اجتماع طارئ لوزراء الخارجيّة العرب الأعضاء بلجنة المتابعة الخاصة بسوريا، علّه يُرسمل مبادرته من جديد، ويشجّع المجموعة العربيّة في الأمم المتحدة ومجلس الأمن على التصويت لتمديد المهلة حرصاً على إنجاح المهمة، إلّا أنّه لم يتمكّن من تحقيق كلّ ما يريد، إذ اصطدم بواقع عربي محبط، لا يملك رصيداً للتأثير في الدول الكبرى، وقد اختصر الأمين العام نبيل العربي المشهد بالآتي: «عجزنا كعرب على حسم هذا الملف (السوري)، وتوجّهنا به إلى الأمم المتحدة، ومجلس الأمن لعلّ وعسى، وإذ بالأخير يعيد كرة الموقف بكياسة ودبلوماسيّة إلى حضن الجامعة التي لم ترَ ما يمكن فعله سوى الطلب من شركتي الأقمار الصناعيّة «عربسات» و»نايلسات» وقف بثّ القنوات الفضائيّة السوريّة.
وأيضاً الإصرار على قرار سابق بمدّ المعارضة بالمال والسلاح».
ويبقى السباق محموماً ما بين مبادرة أنان والحرب الأهليّة، وما الدعوة إلى الحوار لتلافي التداعيات، وما بين التسليم بالانفلاتات، وأعتى النكبات عندما تنتج القيادات كيديات بدلاً من أن تنتج حلولاً للمشكلات؟!
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك