ما كادت تهدأ في طرابلس حتى انفجرت في جرود عرسال، وما ان عاد الهدوء الحذر إلى البلدة البقاعية الحدودية حتى عاد القنص ومعه التوتر إلى شوارع عاصمة الشمال، وذلك في تأكيد جديد على وصول تداعيات الازمة السورية إلى لبنان، وبالتالي بداية خروج الشارع المحلي عن السيطرة رغم الجهود المبذولة. فالساحة الداخلية باتت جزءا لا يتجزأ من الحرب السورية المستمرة منذ اكثر من سنة، كما تحولت إلى حرب استنزاف مفتوحة بين الفريق المؤيد للنظام السوري من جهة ولداعمي الثورة المسلحة من جهة ثانية، بحيث تتضح يوما بعد يوم صورة المستقبل القريب الذي ستتحدد معالمه استنادا إلى الرياح الغربية التي تعصف بالمنطقة العربية.
وفي سياق التطور البقاعي، تعرب قيادات محلية عن خشيتها من لجوء المعارضة السورية إلى فتح جبهات جديدة مع الجيش السوري على امتداد الحدود الفاصلة مع لبنان، وذلك بهدف إلهاء القوات النظامية السورية ودفعها إلى المزيد من معارك الاستنزاف المرهقة، ومن ثمّ تحويل الجبهة إلى خاصرة سورية ركيكة بما فيه الكفاية لفتح الحدود على اشكال الدعم العسكري واللوجستي كافة.
وتأتي التطورات الميدانية التي شهدتها سوريا في الساعات الماضية لتعزز هذا الاعتقاد، حيث تشير المعلومات إلى استخدام الجيش السوري للطائرات المروحية في قصف المدن التي يسيطر عليها الثوار من جهة تركيا، وذلك لاستعادة زمام المبادرة من جهة، ولقطع طرق الامداد عبر الحدود التركية، وذلك بعد ان عادت لتنشط من جديد بعد توقف العمليات العسكرية التي تزامنت مع وصول المراقبين الامميين إلى هناك، ما يعني ان الصراع على مناطق الحدود بات على اشده، لاسيما انه يشكل منفذ الامداد الوحيد للمعارضة، بحيث تكمن اهمية السيطرة على الجرود المتداخلة.
وانطلاقا من هذه الحسابات، تكشف مصادر قريبة من المعارضة السورية أنّ جرود منطقة عرسال باتت تشكل ممرا حيويا للجيش السوري الحر بعد ان عمد الجيش السوري إلى تشديد قبضته على بعض مناطق الشمال وجرود اكروم فضلا عن تلك المتاخمة لوادي خالد والواقعة بمحاذاة الحدود، وسط حديث عن لجوء القوات النظامية السورية إلى نشر كتائب مدرعة وعدد من الدبابات في محاولة لسد منافذ الامداد.
غير أنّ مصادر محلية تلفت إلى اعتماد الجيش السوري النظامي لسياسة الكمائن داخل الحدود السورية، وذلك لعلمه اليقين بان الانظار الدولية والاقليمية مسلطة على النظام بشكل خانق بما يمنعه من تنفيذ عمليات وقائية، ولعدم استدراجه إلى معارك جانبية داخل الاراضي اللبنانية من شأنها ان ترتد عليه سلبا، لاسيما في هذه المرحلة الحافلة بالاتصالات والتركيبات بحسب التعبير، وذلك لتظهير معالم المرحلة المقبلة التي لن تكون اقل توترا على ما يبدو.
وتحاذر المصادر تحميل المسؤولية لاي من الفريقين، مرجحة ان تشهد الايام القليلة المقبلة مزيدا من حالات التفلت نظرا لانتقال الصراع السوري - السوري إلى لبنان، ولنجاح المعارضة في تصدير واقعها إلى الشارع المحلي، ناهيك عن الضغوط العربية المستمرة التي قد لا تتوقف عند حدود لبنان اذا ما دعت الحاجة إلى ذلك، لاسيما ان هناك من يسعى بكل ما اوتي من قوة ونفوذ إلى اسقاط النظام السوري خشية من تصدير التوتر السني الشيعي إلى تلك الدول.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك