يبدو أن لبنان دخل مرحلة جديدة من تاريخه الإقتصادي الحديث بعد أزمة الدولار الأخيرة وسيطرة الهلع على الناس.
لا شكّ أن الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية ترخي بظلالها على الساحة اللبنانية، إذ لا صوت يعلو فوق صوت الإقتصاد، في حين أن المعالجات لم ترتقِ بعد إلى المستوى المطلوب بحسب رأي الخبراء الإقتصاديين.
وأكثر ما يثير الإستغراب هو دعوة نواب الكتل السياسية إلى إجراءات إنقاذية سريعة، في حين أن كتلهم مشاركة في الحكومة، كذلك فإن النواب هم المسؤولون عن مراقبة عمل الحكومات والسياسات العليا في البلاد وعلى رأسها السياسة المالية، خصوصاً أن الموازنة العامة تمرّ في لجنة المال والموازنة ويتمّ التصويت عليها في الهيئة العامة لمجلس النواب.
وأمام مشهد تحرّك الشارع أمس الأول، لا بدّ من طرح سؤال كبير وهو "إلى أين تقود مثل هكذا تحركات خصوصاً في بلد مركّب طائفياً وسياسياً وعشائرياً بشكل دقيق وحسّاس؟".
ويعلم الجميع أن أي تظاهرة تُوجّه ضدّ رئيس الجمهورية ستواجه بردّ فعل مسيحي متضامن معه، وأي تحرّك ضدّ رئيس الحكومة يستجلب العطف السنيّ، وأي تظاهرة ضدّ عمل مجلس النواب وضدّ رئيسه ستُحدث إلتفافاً شيعياً حول رئيس المجلس.
سياسية ومطلبية
وإذا نظرنا إلى خريطة التظاهرات في لبنان، نرى أنها تنقسم بين تظاهرات سياسيّة وتظاهرات مطلبية.
وبالنسبة إلى التظاهرات السياسية فقد انطلقت بشكل كبير بعد توقيع إتفاق "الطائف" وصولاً إلى العام 2005، وفي تلك الفترة كان طلاب "القوات اللبنانية" و"التيار الوطني الحرّ" والقوى السيادية يتظاهرون ضدّ الإحتلال السوري للبنان، وقد بلغت التظاهرات الذروة في "8 آذار" 2005 حيث نزل "حزب الله" وحلفاؤه ليقولوا "شكراً سوريا"، فكان الردّ الشعبي في تظاهرة 14 آذار المطالِبة بكشف الحقيقة في جريمة إغتيال الرئيس رفيق الحريري وخروج القوات السورية من لبنان.
وفي تلك الفترة، أي بعد "الطائف"، كانت التظاهرات تسير مناصرةً لقضايا خارجية مثل القضية الفلسطينية وضد الحرب على العراق، ومنها ما كان داعماً للوجود السوري في لبنان، وأخرى مطالبة بالإنسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان.
وعلى رغم إحياء 14 آذار لذكرى استشهاد الحريري شعبياً حتى العام 2011، إلا أن الساحة اللبنانية شهدت بعض التظاهرات الموالية للنظام السوري والمعادية له في بعض المناطق خصوصاً بعد اندلاع الثورة السورية في 15 آذار 2011، لكن الهاجس الأمني كان الأساس ولذلك كانت المسارعة إلى ضبطها.
أما مطلبياً، فكانت التظاهرات الأبرز في أيار من العام 1992، حينها سارت التظاهرات بعد الأزمة الإقتصادية وغلاء الدولار وسقطت بنتيجتها حكومة الرئيس عمر كرامي، واستلمت بعدها حكومة الرئيس رشيد الصلح في مرحلة إنتقالية مهّدت لمجيء الحريري الأب إلى السلطة، ما دفع البعض إلى القول إن الأزمة يمكن أن تكون مفتعلة للوصول إلى مرحلة حكم الحريري.
وهناك بعض الدعوات التي توجه لإسقاط الحكومة اليوم في الشارع، لكن تاريخ لبنان يدل على أن الحكومات لا تسقط لأسباب معيشية بل لأسباب سياسية، فبعد سقوط حكومة كرامي الأولى العام 1992، سقطت حكومة كرامي الثانية في 28 شباط 2005 بعد زلزال إغتيال الحريري. وفي 12 كانون الثاني من العام 2011 سقطت حكومة الرئيس سعد الحريري الأولى بضربة قوى "8 آذار" و"التيار الوطني الحرّ" واستقالة 11 وزيراً منها أثناء تواجد الحريري في البيت الأبيض، وذلك بعد المطالبة بالكشف عن ملف شهود الزور. وفي 22 آذار من العام 2013 أعلن الرئيس نجيب ميقاتي استقالة حكومته بعد رفض التمديد للمدير العام لقوى الامن الداخلي آنذاك اللواء اشرف ريفي، في حين أن البعض قال إن سبب الإستقالة الحقيقي هو عدم قدرة "حزب الله" على تحمّل حكومة اللون الواحد بعد التفجيرات التي هزت الضاحية الجنوبية والمناطق الموالية لـ"الحزب" في البقاع.
وعلى رغم إرتفاع الدين العام واستشراء الغلاء والفساد والهدر، إلا أن لبنان لم يشهد أي تظاهرات مطلبية ضخمة، وهذا ما يفسّر إستمرار السلطات بسياساتها.
وفي أيار 2004، وقعت إحتجاجات على الواقع المعيشي في حي السلم ما أدى إلى سقوط ضحايا، وقد قيل وقتها أن السوري حرّك الامور للنيل من حكومة الحريري.
وفي حين كانت تظاهرات 8 آذار بعد تشرين الثاني 2006 سياسية للمطالبة بالثلث المعطّل ورحيل حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، إلا أن دعوة الإتحاد العمالي العام في أيار من العام 2008 للتظاهر، كانت الشرارة التي أطلقت أحداث 7 أيار والتي سيطر بموجبها "حزب الله" على بيروت وحقق مكاسب سياسية في "اتفاق الدوحة".
وبعد التظاهرات المطلبية المطالبة بإقرار سلسلة الرتب والرواتب والتي بلغت ذروتها في العامين 2012 و2013، كان الإنفجار الشعبي الأول في آب 2015 بعد أزمة النفايات، حيث نزل الشعب لأول مرة بعناوين معيشية وليست سياسية، لكن عدم وجود قيادة موحّدة للمعارضة واتجاهها نحو العنف، والمطالبة بإسقاط النظام، عوامل ساهمت في إجهاض الثورة في مهدها.
ملاحظات متكررة
واليوم يتكرر المشهد نفسه، أوضاع إقتصادية صعبة، وشرارة تظاهرات إنطلقت، لكن هناك بعض الملاحظات التي تتكرر وهي:
أولاً: يفتقد التحرّك إلى أي تنظيم وإلى قيادة موحّدة تخاطب الشعب اللبناني.
ثانياً: إن اتجاه الأمور نحو الشغب يثير "نقزة" الشعب اللبناني الذي لا يريد أن يعيش، فوق أوضاعه المتردية، وضعاً أمنياً خطيراً.
ثالثاً: يخاف الشعب اللبناني من المجهول دائماً ودخول طابور خامس، وبما أن قيادات التحرك لا توحي بالثقة، فإن هذا الأمر يؤثر سلباً على التظاهرات، كما انه لا يوجد أي برنامج عمل للمعارضة لتنال رضى الشعب.
رابعاً: إن المطالبات بإسقاط النظام التي ظهرت عبر بعض الشعارات تثير المخاوف أيضاً، علماً أن الشعب اللبناني لم يتحرك مع إنطلاقة الربيع العربي لأنه رأى ماذا حلّ بالدول التي سقطت أنظمتها.
خامساً: لا تزال ولاءات معظم الشعب للقادة الحاليين على رغم الاعتراض على الواقع، وبالتالي، فإن عدم وجود أحزاب أساسية وراء الدعوة إلى التظاهر لن تعطي تلك التظاهرات حجماً شعبياً.
لا شكّ أن الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية ترخي بظلالها على الساحة اللبنانية، إذ لا صوت يعلو فوق صوت الإقتصاد، في حين أن المعالجات لم ترتقِ بعد إلى المستوى المطلوب بحسب رأي الخبراء الإقتصاديين.
وأكثر ما يثير الإستغراب هو دعوة نواب الكتل السياسية إلى إجراءات إنقاذية سريعة، في حين أن كتلهم مشاركة في الحكومة، كذلك فإن النواب هم المسؤولون عن مراقبة عمل الحكومات والسياسات العليا في البلاد وعلى رأسها السياسة المالية، خصوصاً أن الموازنة العامة تمرّ في لجنة المال والموازنة ويتمّ التصويت عليها في الهيئة العامة لمجلس النواب.
وأمام مشهد تحرّك الشارع أمس الأول، لا بدّ من طرح سؤال كبير وهو "إلى أين تقود مثل هكذا تحركات خصوصاً في بلد مركّب طائفياً وسياسياً وعشائرياً بشكل دقيق وحسّاس؟".
ويعلم الجميع أن أي تظاهرة تُوجّه ضدّ رئيس الجمهورية ستواجه بردّ فعل مسيحي متضامن معه، وأي تحرّك ضدّ رئيس الحكومة يستجلب العطف السنيّ، وأي تظاهرة ضدّ عمل مجلس النواب وضدّ رئيسه ستُحدث إلتفافاً شيعياً حول رئيس المجلس.
سياسية ومطلبية
وإذا نظرنا إلى خريطة التظاهرات في لبنان، نرى أنها تنقسم بين تظاهرات سياسيّة وتظاهرات مطلبية.
وبالنسبة إلى التظاهرات السياسية فقد انطلقت بشكل كبير بعد توقيع إتفاق "الطائف" وصولاً إلى العام 2005، وفي تلك الفترة كان طلاب "القوات اللبنانية" و"التيار الوطني الحرّ" والقوى السيادية يتظاهرون ضدّ الإحتلال السوري للبنان، وقد بلغت التظاهرات الذروة في "8 آذار" 2005 حيث نزل "حزب الله" وحلفاؤه ليقولوا "شكراً سوريا"، فكان الردّ الشعبي في تظاهرة 14 آذار المطالِبة بكشف الحقيقة في جريمة إغتيال الرئيس رفيق الحريري وخروج القوات السورية من لبنان.
وفي تلك الفترة، أي بعد "الطائف"، كانت التظاهرات تسير مناصرةً لقضايا خارجية مثل القضية الفلسطينية وضد الحرب على العراق، ومنها ما كان داعماً للوجود السوري في لبنان، وأخرى مطالبة بالإنسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان.
وعلى رغم إحياء 14 آذار لذكرى استشهاد الحريري شعبياً حتى العام 2011، إلا أن الساحة اللبنانية شهدت بعض التظاهرات الموالية للنظام السوري والمعادية له في بعض المناطق خصوصاً بعد اندلاع الثورة السورية في 15 آذار 2011، لكن الهاجس الأمني كان الأساس ولذلك كانت المسارعة إلى ضبطها.
أما مطلبياً، فكانت التظاهرات الأبرز في أيار من العام 1992، حينها سارت التظاهرات بعد الأزمة الإقتصادية وغلاء الدولار وسقطت بنتيجتها حكومة الرئيس عمر كرامي، واستلمت بعدها حكومة الرئيس رشيد الصلح في مرحلة إنتقالية مهّدت لمجيء الحريري الأب إلى السلطة، ما دفع البعض إلى القول إن الأزمة يمكن أن تكون مفتعلة للوصول إلى مرحلة حكم الحريري.
وهناك بعض الدعوات التي توجه لإسقاط الحكومة اليوم في الشارع، لكن تاريخ لبنان يدل على أن الحكومات لا تسقط لأسباب معيشية بل لأسباب سياسية، فبعد سقوط حكومة كرامي الأولى العام 1992، سقطت حكومة كرامي الثانية في 28 شباط 2005 بعد زلزال إغتيال الحريري. وفي 12 كانون الثاني من العام 2011 سقطت حكومة الرئيس سعد الحريري الأولى بضربة قوى "8 آذار" و"التيار الوطني الحرّ" واستقالة 11 وزيراً منها أثناء تواجد الحريري في البيت الأبيض، وذلك بعد المطالبة بالكشف عن ملف شهود الزور. وفي 22 آذار من العام 2013 أعلن الرئيس نجيب ميقاتي استقالة حكومته بعد رفض التمديد للمدير العام لقوى الامن الداخلي آنذاك اللواء اشرف ريفي، في حين أن البعض قال إن سبب الإستقالة الحقيقي هو عدم قدرة "حزب الله" على تحمّل حكومة اللون الواحد بعد التفجيرات التي هزت الضاحية الجنوبية والمناطق الموالية لـ"الحزب" في البقاع.
وعلى رغم إرتفاع الدين العام واستشراء الغلاء والفساد والهدر، إلا أن لبنان لم يشهد أي تظاهرات مطلبية ضخمة، وهذا ما يفسّر إستمرار السلطات بسياساتها.
وفي أيار 2004، وقعت إحتجاجات على الواقع المعيشي في حي السلم ما أدى إلى سقوط ضحايا، وقد قيل وقتها أن السوري حرّك الامور للنيل من حكومة الحريري.
وفي حين كانت تظاهرات 8 آذار بعد تشرين الثاني 2006 سياسية للمطالبة بالثلث المعطّل ورحيل حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، إلا أن دعوة الإتحاد العمالي العام في أيار من العام 2008 للتظاهر، كانت الشرارة التي أطلقت أحداث 7 أيار والتي سيطر بموجبها "حزب الله" على بيروت وحقق مكاسب سياسية في "اتفاق الدوحة".
وبعد التظاهرات المطلبية المطالبة بإقرار سلسلة الرتب والرواتب والتي بلغت ذروتها في العامين 2012 و2013، كان الإنفجار الشعبي الأول في آب 2015 بعد أزمة النفايات، حيث نزل الشعب لأول مرة بعناوين معيشية وليست سياسية، لكن عدم وجود قيادة موحّدة للمعارضة واتجاهها نحو العنف، والمطالبة بإسقاط النظام، عوامل ساهمت في إجهاض الثورة في مهدها.
ملاحظات متكررة
واليوم يتكرر المشهد نفسه، أوضاع إقتصادية صعبة، وشرارة تظاهرات إنطلقت، لكن هناك بعض الملاحظات التي تتكرر وهي:
أولاً: يفتقد التحرّك إلى أي تنظيم وإلى قيادة موحّدة تخاطب الشعب اللبناني.
ثانياً: إن اتجاه الأمور نحو الشغب يثير "نقزة" الشعب اللبناني الذي لا يريد أن يعيش، فوق أوضاعه المتردية، وضعاً أمنياً خطيراً.
ثالثاً: يخاف الشعب اللبناني من المجهول دائماً ودخول طابور خامس، وبما أن قيادات التحرك لا توحي بالثقة، فإن هذا الأمر يؤثر سلباً على التظاهرات، كما انه لا يوجد أي برنامج عمل للمعارضة لتنال رضى الشعب.
رابعاً: إن المطالبات بإسقاط النظام التي ظهرت عبر بعض الشعارات تثير المخاوف أيضاً، علماً أن الشعب اللبناني لم يتحرك مع إنطلاقة الربيع العربي لأنه رأى ماذا حلّ بالدول التي سقطت أنظمتها.
خامساً: لا تزال ولاءات معظم الشعب للقادة الحاليين على رغم الاعتراض على الواقع، وبالتالي، فإن عدم وجود أحزاب أساسية وراء الدعوة إلى التظاهر لن تعطي تلك التظاهرات حجماً شعبياً.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك