نظم المركز الدولي لعلوم الانسان اليونيسكو- جبيل ندوة في مركزه، بعنوان "مفهوم التسامح وقيم السلام والعدالة وحوار الثقافات"، برعاية وزيرة الدولة لشؤون التمكين الاقتصادي للنساء والشباب فيوليت خيرالله الصفدي وحضورها، وذلك في اليوم العالمي للاعنف، وضمن اطار مبادرات تعزيز التسامح لمنظمة اليونسكو، في حضور النائب مصطفى الحسيني، الوزير السابق ابراهيم شمس الدين، قائمقام جبيل نتالي مرعي الخوري، رئيسة المركز الدكتورة دارينا صليبا ابي شديد، رئيس المجلس الثقافي في بلاد جبيل الدكتورة نوفل نوفل، منسق "التيار الوطني الحر" في القضاء اديب جبران ومهتمين.
بداية النشيد الوطني، ثم القت صليبا كلمة اعتبرت فيها "ان الانسانية هي مجموع الصفات التي تكون كائنا إجتماعيا يتطور مع مرور الزمن، بحسب الفيلسوف الفرنسي Emmanuel kant. فالانسانية هي إذا التعبير عن القيم والاخلاق. ويسمو التسامح في ميدان الانسانية، وقد يكون القيمة الأم التي منها تتولد قيم الحرية وتقبل الآخر، فالتسامح هو البوصلة التي يهتدي بها الانسان في عالمنا اليوم كما يقول مونتسكيو Montesquieu، فالتسامح كي يبقى على سموه لا يجب أن يقترن بالاعتذار وطلب السماح ، فتناسي الاساءة وعدم السعي للرد بمثلها ونحن بكامل حريتنا وارادتنا هو أرقى أنواع التسامح رافضا التعصب والتمييز العرقي او الاجتماعي ، فيكون التسامح لغة راقية وقيمة حضارية تتجاوز وتخطت كل القيم الاخرى".
واضافت: "لا بد من العودة إلى جذور مفهوم التسامح في التاريخ والذي نحتفل بيومه العالمي في 17 من تشرين الثاني، فمبدأ التسامح اعتمد لأول مرة في القرن السابع عشر في العصر التنويري مع إحتدام الصراعات الكنائسية، وتتجلى قيمته في رسالة الفيلسوف التنويري "جون لوك" بقوله: "ليس لاي انسان سلطة في أن يفرض على انسان آخر ما يجب أن يؤمن به او يفعله لأجل نجاة نفسه، لأن هذه المسألة شأن خاص لكل إنسان، فالتسامح ليس شفقة على أناس طلبوا الصفح، فالتسامح يجب أن يكون إيجابيا، أي إقرارنا بأننا كبشر قد نخطىء وغيرنا قد يخطئ إلينا، وبالتالي ما من حاجة لأصفح عنه أو أن اشترط اعتذاره، فالتسامح هو تقبل الآخر على اختلافه الديني او العرقي او العقائدي".
وختمت: "ان منظمة الاونيسكو والمركز الدولي لعلوم الانسان يأملان المساهمة اليوم بإرساء القيم الانسانية من خلال هذه الندوة عن التسامح التي أردناها ان تتزامن مع اليوم العالمي للاعنف".
ثم القى ممثل مؤسسة هانز سايدل الألمانية hans seidel foundation في الاردن وسوريا ولبنان kristof duwaerts كلمة بالانكليزية، قال فيها: "لقد وصف الكثيرون لبنان في حد ذاته بأنه صورة مصغرة للتنوع، وبالتالي، التسامح، ويسعدني أن أكون هنا اليوم".
واكد "أن التسامح لا يزال يمثل ركيزة رئيسية للمجتمعات المستقرة والسلمية، في عصر الترابط المتزايد من خلال العولمة والهجرة وثورة المعلومات بشكل متزايد".
واشار الى ان يوم غد يصادف الذكرى الثلاثين لإعادة توحيد ألمانيا، وقال: "منذ 30 عاما، بدأ الألمان في دمج نظامين دستوريين وسياسيين واقتصاديين مختلفين، وهي عملية تتطلب الكثير من الناس الذين يمكن أن يقولوا التسامح".
وختم: "أنا ممتن لإتاحة الفرصة لي للاستماع إلى وجهات نظركم وآرائكم على مدار اليومين المقبلين، ومعرفة المزيد حول كيف استقر التسامح في لبنان في الماضي، ويمكن أن يفعل ذلك في المستقبل. في نهاية اليوم، ستنقل الأفكار التي تتم مناقشتها هنا كرسالة أوسع وأكثر عمومية إلى الدول الأخرى أيضا، وبالتالي تخدم المهمة الأساسية لكل من المركز الدولي للعلوم الإنسانية ومؤسسة هانز سيدل.
وشكرت خيرالله في كلمتها المركز على تنظيم هذا المؤتمر "الذي يوفر لي إطلالة من موقع فكري دولي رفيع، من مدينة جبيل التي انطلقت منها الأبجدية إلى سائر أنحاء العالم القديم، وعلى مقاربة موضوع، على قدر كبير من الأهمية"، مشيرة الى "ان موضوع الندوة إشكالي، كان وسيبقى في رأس القضايا التي تتصدر اهتمامات البشرية، موضوع متشعب ويتناول مفهوم التسامح وقيم السلام والعدالة وحوار الثقافات".
وقالت: "لعل ما يدعو، بشكل ملح، إلى عقد هذا المؤتمر وإلى مؤتمرات وفعاليات مماثلة، تنامي ظاهرة التطرف بمختلف تعبيراتها وأشكالها، وما تنجلي عنه من ممارسات عنفية إرهابية، وهذا ما يستدعي تفكيرا جديدا في هذه الظاهرة، بل في الآليات الجديدة، وبالتالي التفكير حكما في جدل الهوية والدين والسياسة والعلاقات الاجتماعية".
واردفت: "وفي مواجهة الواقع الشديد التأزم الذي يعيشه العالم، في أربع جهاته ولا سيما العالم العربي الذي يشكل اليوم البؤرة الأكثر تفجرا، لا بد من وضع الإصبع على الجرح لتلمس بعض المعالجات والخلوص إلى حلول أو بدايات حلول، تبادر إليها مرجعيات دينية متنورة، كما باحثون في علم الأديان وفلاسفة وأكاديميون وسائر قوى المجتمع المدني التي تستطيع أن تقدم إسهامات في هذا المجال".
وتابعت: "ولعله، في إطار المبادرات الخيرة، ذات الامتداد والشمول العالميين، تأتي "وثيقة الأخوة الإنسانية من أجل السلام العالمي والعيش المشترك التي أطلقت من أبو ظبي في 4 شباط 2019، في تظاهرة عالمية لم تشهدها دولة الإمارات العربية من قبل، وقد وقعها رأس الكنيسة الكاثوليكية في العالم قداسة البابا فرنسيس وشيخ الأزهر الشريف الإمام أحمد الطيب، وإذ نتوقف عند مفاصل أساسية من هذه الوثيقة، والتي هي على تماس مع الموضوع الذي نقارب في هذا المؤتمر، فهي تذهب إلى أن التطرف الديني والقومي والتعصب قد أثر في العالم، سواء في الغرب أو الشرق، ما يمكن أن تطلق عليه بوادر حرب عالمية ثالثة على أجزاء، بدأت تكشف عن وجهها القبيح، في كثير من الأماكن، وعن اوضاع مأساوية، علما أن "الوثيقة" تتطرق الى ما يكابده العالم من أزمات إلى سباق التسلح والظلم الاجتماعي والفساد، وعدم المساواة، والتدهور الأخلاقي، والإرهاب والعنصرية والتطرف، وسوى ذلك من عوامل".
وأضافت: "وإذ تتوجه "الوثيقة" إلى من يتبناها ويترجمها واقعا ملموسا، فهي تتوجه إلى رجال الدين، وإلى قادة العالم وصناع السياسة الدولية والاقتصاد العالمي، للعمل على نشر ثقافة التسامح والتعايش والسلام والتدخل فورا لإيقاف سيل الدماء البريئة، كما تتوجه "الوثيقة" أيضا إلى المفكرين والفلاسفة والفنانين والإعلاميين والمبدعين، ليعيدوا اكتشاف قيم السلام والعدل والخير والجمال والأخوة الإنسانية والعيش المشترك".
واردفت: "ولعل مؤتمرنا، تلبية لنداء "الوثيقة" وسواها من مبادرات، يجهد في الإكباب على بعض من هذه المهمة التي لا تستطيع القيام بها جهة واحدة، فالقضية، بما تطرح من تحديات، على مستوى عالمي ومحلي، تستوجب مواجهة على المستويين عينهما".
وقالت: "في إطار المبادرات الفردية، التي أحدثت ترددات على مستوى عالمي، تلك الرسالة التي توجه بها الفيلسوف الفرنسي المسلم عبد النور بيدار، في 18 كانون الثاني 2015، إثر مجزرة مجلة (Charlie Hebdo ) في باريس، من قبل مجموعة أصولية تكفيرية، وقد جاءت هذه الرسالة بعنوان: "رسالة مفتوحة إلى العالم الإسلامي"، ومنها نقتطف:
"لا بد أن تبدأ ( أي العالم الإسلامي) بإصلاح التعليم، أن تصلح مدرسة من مدارسك وجميع امكنة المعرفة والسلطة، أن تصلحها من أجل إدارتها بحسب مبادئ كونية: حرية الضمير، والديمقراطية، والتسامح وحقوق المواطنة لجميع تنوعات رؤى العالم والمعتقدات، والمساواة بين الجنسين، وتحرير المرأة من كل وصاية ذكورية، والتفكير، وثقافة النقد الديني في الجامعات، والأدب والإعلام".
وأضافت: "إن تاريخنا حافل بمحطات مهمة من التسامح واحترام الآخر المختلف في دينه وعرقه ولقبه وإليكم من العصر العباسي، زمن التوهج الفكري والعلمي، هذه المشهدية، عبر نص كتبه العالم اللغوي معمر بن المثنى (728- 824م): في البصرة كان يجتمع مجلس لا يعرف مثله :الخليل بن أحمد صاحب العروض سني، والسيد محمد الحميري الشاعر رافضي، وصالح بن عبد القدوس ثنوي، وسفيان بن مشاجع صفوي، وبشار بن برد ماجن خليع وحماد عجرد زنديق، وابن رأس الجالوت الشاعر اليهودي، وابن نظير النصراني متكلم، وعمرو بن أخت المؤيد مجوسي، وابن سنان الحراني صابئي، فتتناشد الجماعة أشعارا وأخبارا".. فإعتبروا يا أولي العقول!".
وختمت :" لا بد لنا ختاما من توجيه التحية إلى مؤتمركم، وإلى الهيئة الداعية إليه "المركز الدولي لعلوم الإنسان- جبيل"، مثمنين دور مديرته الدكتورة دارينا صليبا أبي شديد وفريق عملها، فكل التوفيق للمؤتمر الذي سيسفر عن توصيات ومقترحات بناءة، من ذوي الاختصاص، وسوف يعالجون القضية المطروحة من جوانبها كافة، وعسى أن يكون مؤتمرنا حلقة في سلسلة حلقات، تمضي بالمسألة إلى نهاياتها وعلى أن يكون توظيف عملاني لما سوف يحويه بيانكم الختامي".
وبعد استراحة قصيرة بدأت الجلسة بعنوان "مفهوم التسامح: التعريفات والاطار التطبيقي" تحدث فيها كل من الوزير السابق شمس الدين، عضو لجنة الحوار الاسلامي المسيحي حارث شهاب والبروفسور انطوان نصرالله، وأدارتها الدكتورة دارينا صليبا.
اشارة الى ان اعمال المؤتمر تستمر حتى مساء يوم غد ويصدر عنه التوصيات.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك