لم تكد القوى العسكرية والأمنية تتلقى التخفيض في موازناتها والتحضير لشطب التدبير الرقم 3 جزئيّاً، الذي تعتبره تعويضاً عن عدم شمولها بالزيادات على الرواتب من جهة، وعن الانتشار العسكري الدائم بسبب المهمات الموكولة إليها في الداخل وعلى الحدود من جهة أخرى، حتى رُميت في ملعبها كرة نار ثقيلة هي مسؤولية التعامل مع التحركات الشعبية، الناتجة من الأزمة الاقتصادية.
تقول مصادر أمنية إنّ هذا التعامل هو الأصعب، لأنّ المؤسسات العسكرية والأمنية تصبح بين نارَين ومسؤوليتين: الأولى حماية التحركات الشعبية، والثانية حماية المواطنين والممتلكات العامة بالحرص نفسه. وفي كل أحد على مدى أسبوعين، كان جنود الجيش وأفراد قوى الأمن الداخلي مُستنفرين، لتحقيق المهمة. واذا تكرر التظاهر السلمي، فستبقى الأهداف واحدة لا تتغير، أي الحفاظ على الاستقرار وحق التظاهر، ومنع الانزلاق الى العنف.
توجِز المصادر التحديات التي تواجه القوى الأمنية والعسكرية بالآتي:
أولاً: إنّ هذه المؤسسات، قيادة وضباطاً وعناصر، تنتمي الى الناس، وهي المكلّفة حفظ أمنهم والأمن الوطني، تشعر بأنّ الأزمة الاقتصادية تطالها كما تطالهم، وأنّ هواجسهم هي هواجسها. وبالتالي، إنّ العسكر المكلّف المهمة، يعاني معاناة من يتحركون سلمياً في الشارع، ومهمته تقع بين حَدّين: التضامن قلبيّاً معهم، والتزام حمايتهم وتطبيق القانون، وحماية الاستقرار.
ثانياً: إنّ مسؤولية المؤسسات الأمنية والعسكرية هي ملاحقة الدعوات المشبوهة الى التخريب، سواء التي تأتي من داخل الحدود أو من خارجها. ففي الاسبوع الاول للتحرك الشعبي، سجّلت الاجهزة الامنية حركة اتصالات منظّمة من أكثر من 240 هاتفاً دولياً، أرسلت رسائل متزامنة يومَي السبت والأحد، الى جميع المناطق اللبنانية، مصدرها بلدان أوروبية وأميركية وافريقية وأسيوية، عملت لمدة يومين، ورصدت، ويجري التحقيق في مصدرها، وربما لا يكشف بسبب صعوبة ملاحقتها من هذه البلدان، ويمكن لهذه الاتصالات والارقام الـ240 أن تكون ضمن مجموعة واحدة. هذه الاتصالات المشبوهة اختَفت في الاسبوع الثاني، وحلّ مكانها تظاهر عادي في ساحة الشهداء وشوارع أخرى.
ثالثاً: إنّ مسؤولية القوى العسكرية والأمنية هي أن تتابع عن كثب كل ما يجري وكل ما يصنّف في خانة الشُبهة، من هذه الشبهات ما جرى في شتورا منذ ايام ولم يعلن عنه خوفاً من حصول حالة هلع تؤثر في المصارف، فقد توجّه سوريون بالمئات الى فروع المصارف في شتورا بعد سماعهم إشاعة أنه في حال حصول صعوبات للمصارف، فإنّ مصرف لبنان أعطى توجيهاً بأن تدفع أموال اللبنانيين وأن تجمّد أموال السوريين، وسَبّب التزاحم قلقاً عند جميع المودعين، وكاد ان ينتقل الى مناطق أخرى، لو لم يعالج الأمر مع مصرف لبنان والمصارف، حيث أعطيت التعليمات بإعطاء السوريين أموالهم (صغار المودعين) قبل أن تتحول «الزوبعة السورية» الى «عاصفة لبنانية».
رابعاً: إنّ مسؤولية القوى العسكرية والأمنية تقتصر على ادارة الاستقرار، أمّا حلّ الأزمة فيستوجب إعطاء اللبنانيين رسالة ثقة هي من مسؤولية الحكومة وأجهزة الدولة، ومن دون رسالة الثقة هذه ستبقى هذه المؤسسات في حالة استعداد، إن لم نقل في حالة استنزاف، لتأمين المهمة الجديدة التي لا يتمناها أيّ جيش في أية دولة في العالم. فهذه الكأس هي الأصعب، وتتجاوَز في صعوبتها تأمين الحدود، أو أية مهمة أخرى، لأنّ نطاق المهمة في الشارع مع الناس وبينهم ومن أجلهم، وكلما لاحَت بوادر انفراج عاد الوضع الى سابق عهده.
تتولى القوى الأمنية التحقيق في التحريك الخارجي للتحركات الشعبية، من دون أن تحصر الأسباب بهذا التحريك، كما تتولى التحقيق في إشاعة شتورا، وتُبقي العين على الداخل، وتحديداً على مسؤولية حفظ الاستقرار، فالأزمة تعرّضها لضغوط مضاعفة، لكنّ قرارها هو حفظ الاستقرار مهما كانت الكلفة مرتفعة.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك