صدر عن المجمع الأنطاكي المقدس بيان جاء فيه: "انعقد المجمع الأنطاكي المقدس برئاسة غبطة البطريرك يوحنا العاشر يازجي في دورته العادية الحادية عشرة من الثالث وحتى العاشر من تشرين الأول 2019 في البلمند، بحضور كل من أصحاب السيادة المطارنة: الياس (أبرشية بيروت وتوابعها)، الياس (أبرشية صيدا وصور وتوابعهما)، سرجيوس (أبرشية سانتياغو وتشيلي)، دمسكينوس (أبرشية ساو باولو وسائر البرازيل)، سابا (أبرشية حوران وجبل العرب)، جورج (أبرشية حمص وتوابعها)، سلوان (أبرشية جبيل والبترون وما يليهما)، باسيليوس (أبرشية عكار وتوابعها)، أفرام (أبرشية طرابلس والكورة وتوابعهما)، إغناطيوس (أبرشية فرنسا وأوروبا الغربية والجنوبية)، إسحق (أبرشية ألمانيا وأوروبا الوسطى)، جوزيف (أبرشية نيويورك وسائر أميركا الشمالية)، غطاس (أبرشية بغداد والكويت وتوابعهما)، سلوان (أبرشية الجزر البريطانية وإيرلندا)، أنطونيوس (أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما)، نقولا (أبرشية حماه وتوابعها)، باسيليوس (أبرشية أوستراليا ونيوزيلاندا والفيلبين)، إغناطيوس (أبرشية المكسيك وفنزويلا وأميركا الوسطى وجزر الكاريبي)، أثناسيوس (أبرشية اللاذقية وتوابعها) ويعقوب (أبرشية بوينس آيرس وسائر الأرجنتين)، والأساقفة، المتروبوليت نيفن صيقلي، موسى الخوري، لوقا الخوري، توماس جوزيف، ديمتري شربك، إيليا طعمة، قسطنطين كيال، يوحنا هيكل، جان عبدالله، أنطوني مايكل، نيكولاس أوزون، غريغوريوس خوري، قيس صادق، يوحنا بطش، تيودور الغندور. وحضر الأسقف أفرام معلولي أمين سر المجمع المقدس.
واعتذر عن الحضور الأسقفان باسيل عيسى وألكساندر مفرج. وقد حضر المطران بولس (أبرشية حلب والإسكندرون وتوابعهما)، المغيب بفعل الأسر، في صلوات آباء المجمع وأدعيتهم.
وبعد الصلاة واستدعاء الروح القدس واستمطار الرحمة الإلهية على نفس المطران اسبيريدون خوري مطران زحلة وبعلبك وتوابعهما السابق، استعرض الآباء جدول الأعمال. وتناولوا، أولا قضية مطراني حلب المخطوفين بولس يازجي ويوحنا إبراهيم، واستنكروا الصمت الدولي المطبق تجاه القضية في عامها السادس. ودعوا إلى إطلاقهما ووضع نهاية لهذا الملف الذي يختصر شيئا مما يعانيه إنسان هذا الشرق من ويلات.
وتدارس الآباء موضوع "العائلة" كموضوع أساس على جدول أعمال المجمع. وضموا إلى الجلسات المجمعية المتعلقة بهذا الموضوع عددا من الأخصائيين من إكليروس وعلمانيين، وعلى رأسهم المطران نيقولاوس متروبوليت مسوييا ولافريوتيكي من الكنيسة اليونانية.
وتوقف الآباء في الجزء الأكبر من مداولاتهم أمام حجم التحديات التي تواجه العائلة في الوطن وبلاد الانتشار وتنوعها. ولم يغب عنهم أنَّ الصعوبات الاقتصادية هي أولى هذه التحديات وأكثرها إلحاحا وتداعيات على حياة العائلة واستقرارها، وارتأوا توجيه كهنة الرعايا ومجالسها في سائر الأبرشيات إلى تكثيف رعايتهم وجهودهم ومبادراتهم وصولا الى ما يخفف من وطأة هذه الأزمات عن كاهل الأبناء. كما يرفعون صلواتهم الدائمة، مرفقة بتوجههم للتواصل مع المعنيين، لأجل الإسراع في معالجات هذه الأوضاع.
وحيث تكثر سائر التحديات الأخرى التي تواجه العائلة، اليوم، نتيجة ما يلصق بالحرية الانسانية من مفاهيم، وما تؤدي إليه من استباحة للقيم الايمانية والانسانية. وحيث ان هذه التحديات أمست أكثر خطورة على العائلة وخلاص أعضائها. وأمام ظواهر الخروج عن الأسس السليمة لمسار الحياة الانسانية وضوابطها المجتمعية، وتنامي روح الفردية والاستهلاك وما تهدد به العائلة من تفكك وتغرب عن استقامة العيش بشركة بين أعضائها في ضياء الانجيل. ولسبب التساؤلات التي تطرحها في ضمائر العائلات بعض ميادين "أخلاقيات علم الحياة"، أولى الآباء هذه الهموم ما تقتضيه من بحث وتأمل واهتمام.
وفي جلسات عدة شارك فيها كهنة مدعوون وأبناء أخصائيون وناشطون في حياة الكنيسة، ناقش الآباء هذه القضايا، واستمعوا إلى مقاربات عميقة للمواضيع المختصة بها بغية صوغ خطاب الكنيسة إزاء ما يواجه العائلة منها، واستخلاص السبل الرعائية التي تساهم في صون العائلة ودعم ثباتها بالمسيح وتحصينها بفكر الانجيل. فاستمعوا الى تقارير حول واقع العائلة وما يحوط به في مختلف الأبرشيات، وبحثوا في مواضيع الزواج والتربية وأخلاقيات علم الحياة والمثلية والمساكنة والرعاية والإعلام بمتفرعاتها.
وبرجائهم الشديد أن يتشبث الأبنا وسط ما يسائل إيمانهم اليوم بحريتهم في المسيح كون الخلاص به الغاية الأثمن، قرر الآباء توجيه رسالة رعائية وتعليمية الى أبناء الكنيسة، خلال الأسابيع المقبلة بعنوان "العائلة فرح الحياة"، توجز لهم الأسس اللاهوتية للزواج ومقاربة الكنيسة لكل هذه التحديات المعاصرة ومسائل أخلاقيات علم الحياة ودور العائلة في حياة الكنيسة وتوصيات الكنيسة لأبنائها. وارتأوا إطلاق حركة رعائية لل"العائلة" في الأبرشيات في سبيل إيصال الرسالة إلى المؤمنين. ويبقى لكل أبرشية تحديد الأطر المطلوبة في رعاياها.
تدارس آباء المجمع التحديات التي تواجه عائلة الكنائس الأرثوذكسية، مع كل ما تطرحه من مخاطر على الشهادة الأرثوذكسية الواحدة في عالم اليوم في حال عدم معالجتها. ودعوا إلى تكثيف الجهود مع كل المعنيين من أجل مداواة الجروح التي أصابت جسد الكنيسة من خلال العمل المجمعي والتشاوري.
واستمع الآباء إلى تقارير قدمت حول معهد القديس يوحنا الدمشقي اللاهوتي في البلمند وإلى تقارير بشأن عمل دائرة الإغاثة البطريركية والمركز الأنطاكي الأرثوذكسي للإعلام.
أثنى الآباء على جهود القيمين عليها مشددين على دور الكنيسة في إرساء صوت الحق والعدل والسلام في العالم. كما تداولوا ملف الهجرة والنزوح في الوطن والانتشار وشددوا على محورية الدور المناط بالكنيسة في السعي لخدمة الإنسان أينما كان. وعبروا عن أهمية الحضور الأنطاكي في أبرشيات الانتشار. ونوهوا، بعيد الاستماع إلى التقارير المقدمة بهذا الشأن، إلى الجهد الذي يبذله الرعاة وإلى مساهماتهم الشخصية في سبيل احتضان كل أبناء كنيسة أنطاكية في الانتشار ودعوتهم إلى الحفاظ على الخصوصية الأنطاكية الراسخة في قيم الإنجيل وتثبيت حضورهم المجتمعي وتعزيزه.
وقرر الآباء إعادة تشكيل المجلس التأديبي الاكليريكي الاستئنافي بعد استعفاء هيئته السابقة وأقروا الهيئة الجديدة.
وفي إطار المجمع الأنطاكي، شارك البطريرك وآباء المجمع في قداس إلهي صباح الأحد 6 تشرين الأول وحضروا الأمسية المرتلة تحت عنوان "بالمجد والكرامة كللهما" التي قدمتها جوقة أنطاكية مشتركة ضمت مرتلين من كل الأبرشيات اللبنانية والسورية في حرم جامعة البلمند الرئيسي.
في الشأن السوري، يرحب آباء المجمع بالمبادرات الرامية إلى إيجاد حل سياسي للأزمة المستمرة من سنوات، تحترم وحدة الدولة وتراعي حقوق الشعب السوري وتطلعاته. ويناشد الآباء العالم النظر إلى حجم المأساة الإنسانية التي يعاني منها الشعب نتيجة ويلات الحرب والحصار الاقتصادي. ويدعون إلى العمل الجاد من أجل رفع العقوبات المفروضة على سوريا التي يتحمل المواطنون أعباءها في لقمة عيشهم وصحتهم، وإلى توفير الشروط الملائمة لعودة النازحين والمهجرين واللاجئين. كما يحثون جميع أطياف الشعب على العمل من أجل تحقيق المصالحة الوطنية والمساهمة بشجاعة في إيجاد حلول توفر الأمن والسلام والتلاحم والاستقرار وتساهم في النمو والتقدم والازدهار. كما عبروا عن إدانتهم لكل عدوان يستهدف السيادة السورية ويعرض أهلها للقتل والنزوح والتهجير.
لبنانيا،
يطالب الآباء الحكومة باتخاذ كل الخطوات التي من شأنها أن تساهم في معالجة الوضع الاقتصادي الصعب والتخفيف من الأعباء على المواطنين وتجنب فرض المزيد من الضرائب على أصحاب الدخل المحدود. كما يناشد آباء المجمع المقدس جميع المسؤولين اللبنانيين العمل على وضع حد للفساد المستشري في مرافق الدولة وإداراتها والذي يصيب جميع مجالات الحياة بحيث بات يهدد بانهيار الدولة على رؤوس الجميع.
وإذ يدعو آباء المجمع إلى الارتقاء بالممارسة السياسية فوق المصالح والاعتبارات الشخصية وإلى تطهير الإدارات العامة من الفاسدين، يرحبون بمبادرة مجلس الوزراء ملء الشواغر في الوظائف العامة، ويشدِّدون على ضرورة الابتعاد عن الزبائنية ووجوب اعتماد الشفافية في التعيين وأن يستوفي المرشحون الكفاءة والخبرة، ضمن الاحترام التام للتوزيع الطائفي وعدم تفضيل طائفة على أخرى. وفي هذا الصدد يؤكد الآباء أن وجود آلية واضحة تتيح وصول الأكثر كفاءة إلى المركز يبقى الخيار الأفضل الذي يبعد التعيينات عن منطق المحاصصة والمحسوبيات.
وتوقف الآباء عند ما يسمى "صفقة القرن" التي يتم العمل على تسويقها في المنطقة. وشددوا على أن القضيةَّ الفلسطينية هي قضية شعب تنتهك أبسط حقوقه يوميا ويتعرض لأبشع أنواع التمييز العرقي من قبل سلطة محتلة. وإذ يدعو الآباء جميع دول العالم إلى العمل من أجل إنشاء الدولة الفلسطينية وتطبيق القرارات الدولية القائلة بحق العودة، يؤكدون أن أي حل للقضية الفلسطينية خارج إطار العدالة وضمان حقوق الشعب الفلسطيني يبقى حلا ظالما وغير مقبول.
يصلي الآباء من أجل العراق ومن أجل سائر شعوب وبلدان المنطقة كما ويسألون الله أن ينير عقول المسؤولين عن مصائر الشعوب في العالم والمنطقة لكي يتحسسوا ما يصيب الإنسان من قهر والآم ويبادروا الى ما يجعل العالم أكثر سلاما وعدلا خاليا من الصراعات والعنف والجشع والاستقطابات والانقسامات.
وبحث الآباء في الأزمة البيئية المتفاقمة بسبب استمرار التلوث بأسبابه المختلفة والاستغلال العشوائي لخيرات الأرض. وإذ لاحظوا أن هذه الأزمة باتت تهدد الطبيعة والحياة، بما في ذلك حياة الإنسان، دعوا إلى تبني خيارات عيش شجاعة تحترم البيئة وتحد من جشع الاستهلاك والتسلط على الطبيعة والسعي الى الربح السريع والسهل. كما دعوا إلى صياغة سياسات تضمن آفاق الحياة المستقبلية وتساهم في الحفاظ على ما يسمح لأجيال المستقبل بالتمتع بخيرات الأرض.
يرفع الآباء صلواتهم من أجل سلام العالم أجمع ويضرعون إلى الرب القدير أن يرسل روح سلامه إلى العالم ويحفظ أبناء الكنيسة الأنطاكية المقدسة في كل مكان، في الوطن وفي بلاد الانتشار، بشفاعات الكلية القداسة العذراء مريم شفيعة البلمند والقديسين بطرس وبولس مؤسسي الكرسي الأنطاكي المقدس وجميع القديسين".
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك