لم يكن ينقص حكومة "إلى العمل"، إلا ملف العلاقات اللبنانية - السورية قضية خلافية جديدة، توازي في أهميتها وبعدها الرسمي السياسي السيادي، كبريات الملفات ذات الطابع المالي والاقتصادي التي انفجرت دفعة واحدة في وجهها في الأسابيع الأخيرة. ففي وقت تتراقص سياسة النأي بالنفس، المفترض أن الحكومة التزمتها، على الأقل في الشكل، في بيانها الوزاري على حبال الانتهاكات المعروفة، عادت بعض مكونات مجلس الوزراء إلى العزف على وتر مد جسور التواصل مع النظام السوري، بغض النظر عن اعتراض قسم كبير من اللبنانيين ومن أعضاء الحكومة الدائرين في الفلك السيادي.
ليست المرة الأولى التي يحط فيها هذا النقاش الساخن على طاولة الحكومة التي تتحرك أصلا على صفائح ساخنة بنار الوضع الاقتصادي السيء والاصلاحات الموعودة التي لا تزال موضع سجال. غير أن اللافت يكمن في أنها المرة الأولى التي يسجل فيها للرئيس سعد الحريري تحديدا بعض ما اعتبرها المراقبون "المرونة" في الموقف من هذا الملف، حيث أكد تمسك لبنان بالاجماع العربي. غير أنه لفت إلى أن العرب باتوا اليوم يتحدثون عن احتمال صوغ علاقات جديدة مع سوريا (التي كانوا أخرجوها من جامعة الدول العربية، في الـ 2011، عندما كانت قطر تتولى قمرة القيادة العربية)، ملمحا إلى أن لبنان لا يمكن أن يخرج عن هذا الاجماع.
غير أن مصادر سياسية تشير عبر "المركزية" إلى أن "هذا الموقف من جانب رئيس الحكومة يبدو متأنيا بمعنى التأكيد، وإن كان مبطنا، على عدم القفز فوق الاشقاء العرب، وعدم تجاوز سياسة النأي بالنفس الرسمية"، لافتة إلى أن "الاعتراض القواتي والاشتراكي يصب في الخانة نفسها، معطوفة على المواجهة المفتوحة بين الثنائي المختارة- معراب، من جهة وفريق 8 آذار، من جهة أخرى.
ومن هذه الزاوية تحديدا، تلفت المصادر إلى أن أبعد من الزكزكات السياسية المعتادة في مجلس الوزراء، لا يمكن أن يقوم تواصل مع النظام السوري، وإن كان فريق 8 آذار يتذرع بالجانب الاقتصادي المشترك بين الطرفين، لمجرد طرح الملف في الحكومة، متسائلة: أي سوريا هي تلك التي يدفع بعض مكونات مجلس الوزراء لبنان مرغما إلى الحوار معها، فيما غالبية الفرقاء المشاركين في الحكومة لا يعترفون بنظام الرئيس بشار الأسد، ويعارضون حتى قيام علاقات ديبلوماسية بين البلدين".
وردا على كلام بعض الدائرين في فلك فريق 8 آذار عن ضرورة التواصل مع دمشق تحت ستار الضرورات الاقتصادية، على اعتبار أنها تبيح "المحظورات السياسية لفتت المصادر إلى أن هذا النوع من الملفات العالقة من المفترض أن يبت بين سفيري الدولتين، ولا يحتاج رفع مستوى التمثيل السياسي الرسمي إلى رتبة "وزير في الحكومة"، مذكرة أن وزير الدولة لشؤون النازحين صالح الغريب، كان خرق هذه الأصول المتعارف عليها، ثلاثة أيام بعد نيل الحكومة الملتزمة النأي بالنفس الثقة في مجلس النواب، تلبية لما سماها "دعوة رسمية" وجهها إليه وزير الحوكمة الرشيدة السوري لبحث ملف عودة النازحين إلى وطنهم الأم.
وتختم المصادر محذرة من خطورة هذا النوع من التجاوزات للسياسات الرسمية المعتمدة لما في ذلك من ضرب لهيبة الدولة وقدرة الحكومة على التحكم بقرارها السياسي السيادي.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك