اختتم البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي المحطة الأولى من زيارته الراعوية لأبرشية سيدة البشارة في أفريقيا الغربية والوسطى بقداس في رعية مار مارون - أكرا، عاونه فيه راعي الأبرشية المطران سيمون فضول والنائب العام المونسنيور مارون زغيب وكاهن الرعية الخوري شربل عزيز.
وألقى عظة بعنوان "ترك التسعة والتسعين ليبحث عن الخروف الضال"، جاء فيها:
"الرب يسوع في إنجيل اليوم يعلمنا حقيقتين أساسيتين: الاولى هي إن الإنسان كل واحدة وواحد منا عرضة أن يضيع عن طريق الله على المستوى الروحي او الأخلاقي او على مستوى العلاقات مع الآخر والآخرين أم على مستوى المسؤوليات. هذه الحقيقة لا يقدر الإنسان أن يتنكر لها وعلى الإنسان أن يدرك ضياعه فلا يذهب من سبئ إلى أسوأ ويضيع معنى حياته. الحقيقة الثانية هي أنه في المقابل هناك عناية الله ورحمته وموقفه الباحث باستمرار عن كل واحد منا في ضياعه. هذا يعطيني الثقة ألا أيأس ولا أستمر في حال الضياع. هي دعوة إلى الكمال في حياتنا المسيحية والاخلاقية والاجتماعية".
وأضاف: "من المؤكد أنه لا يمكنني التبرير لنفسي مقارنة بتصرفات الآخرين السيئة. كل منا مسؤول عن أعماله. لا يمكنني أن أراكم أخطائي على أخطاء الغير. على أن أجد الوسائل لتصحيح هذه الأوضاع فأتمكن من العيش مرتاح الضمير في علاقتي بالله والعيش بالفرح الذي يتكلم عنه الرب يسوع، فرح المصالحة والتبني. ولأن الرب يسوع يبحث عن كل ضائع ويريد الخاطئ، أوجد الكنيسة، مكان حضور الله، حيث يكلمنا من خلال الإنجيل وعظة الكاهن وإرشاده. هنا يفتش عنا عبر الأسرار المقدسة، في القداس وسر المصالحة. هنا يعطينا نعمة الروح القدس الذي يهدينا الي الإصلاح. من أجل ذلك هناك الكنيسة والأسقف وكاهن ليتيسر لكل إنسان أن يعود عن خطئه ويتصالح مع الله. هاتان الحقيقتان نحملهما معنا اليوم والدعوة هي للتمثل بالمسيح فنبحث عن الضائع وندعوه الى العودة. اولا في منزلنا، بين الأزواج، بين الأولاد، في المجتمع في علاقتنا بالناس، في الدولة الشيء نفسه. لا يمكننا أن أقف موقف المتفرج أمام ضياع الآخر، كل محبة وحنان علينا مساعدة الآخرين ليجدوا جمال طريق الرب. علينا أن نلتمس هذه النعمة اليوم، أن نتشبه برحمة الله، أن نتشبه بالبحث عن الآخر ليعيش بسعادة وفرح. ننهي اليوم مع سيادة راعي الأبرشية والنائب العام هذه الأربع وعشرين ساعة ونرفع ذبيحة الشكر ونودعكم إلى حين. أوجه الكلمة إلى كل الحاضرين اليوم وأنتم اليد اليمنى للأسقف والكاهن في مساهمتكم وإحسانكم في الرعية والمدرسة والابرشية".
وختم: "أشكركم على قربكم من الكنيسة وعلى احسانكم الذي له مفهومه اللاهوتية العميق في ضوء إنجيل اليوم. بدعمكم أنتم تنفذون الدعوة الموجهة اليكم بمساعدة كل الذين في حاجة الى رحمة وحنان وفرح وراحة. لكم كل منا كل التقدير مع صلاتنا فيكافئكم الرب على كل شيء ويبارك حياتكم ولعائلاتكم فتظلوا قلبه المحب ويده المعطاء وحضوره كعناية في هذا المجتمع. نشكر الرب على كل ذلك وعلى وجود المدرسة وبالكنيسة والرعية. الابرشية وعلى انكم تمارسون محبة الله ورحمته. نقدم للرب على كل نواياكم فتعيشوا سعداء وتسعدوا الآخرين".
وفي ختام الذبيحة الإلهية ألقى كاهن الرعية الخوري عزيز كلمة قال فيها:
"غانا اليوم، كما افريقيا، في عرس وعيد، أقبلت بكلها، أفرادا وعائلات، لتقول لكم يا صاحب الغبطة ولصحبكم: "أهلا وسهلا بكم في رعيتكم ودياركم. أهلا بكم في غانا الحبيبة، هذا البلد الذي يفتخر باعتدال أبنائه وانفتاحهم واحترامهم للآخر، وإيمانهم بالله وبالعيش المشترك الواحد بين كل الطوائف. أشكر الرب عليكم، وعلى مجيئكم الميمون، في زيارة راعوية، أبوية، تفقدية لأبنائكم المسيحيين واللبنانيين، بهدف الاطلاع، عن كثب، على أوضاعهم، والوقوف على حاجاتهم وهواجسهم. فأنتم يا صاحب الغبطة، ما تكلمتم إلا لتهدوا إلى الحق، ولتنيروا الطريق أمام الجميع. وما وعظتم إلا للتعليم والإرشاد والتوجيه. وما برحتم تدعون إلى المحبة والمغفرة والتعاون، عملا بالشعار الذي اتخذتموه في بداية بطريركيتكم، "شركة ومحبة". وما مواقفكم الوطنية إلا دفاع عن لبنان السيد الحر المستقل، وترسيخ للعيش المشترك، ولحياة أفضل لكل المواطنين، لا سيما في هذه الأيام الصعبة".
وأضاف: "غانا، التي زرتموهها يوم كنتم راعيا لأبرشية جبيل المباركة، صحبة سلفكم الملثلث الرحمات البطريرك الكردينال مار نصرالله بطرس صفير، تباركت بزيارتكم اليوم، أبا ورأسا وراعيا. وجاليتنا، بكل أبنائها، تؤمن بحكمة غبطتكم وسلامة توجهكم وصوابية رؤيتكم، وتأتمنكم على إيصال صوتهم إلى المسؤولين في لبنان، أن حافظوا على الوطن الرسالة ولا تدعوا شعبه، الذي قاوم الحروب والأزمات، يموت جوعا بينما تتربعون على عروشكم.
نتهلل اليوم بكم، يا صاحب الغبطة، قائلين: "تبارك الآتي باسم الرب".
وكان البطريرك الراعي استهل اليوم الثاني في أكرا بسلسلة استقبالات في صالون رعية مار مارون اطلع خلالها على أعمال ونشاطات وتحديات اللجان والمجالس الرعوية والجمعيات والمؤسسات المنبثقة عن الجالية اللبنانية. فالتقى وفدا من الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم برئاسة شكيب رمال رئيس المجلس العالمي للجامعة اللبنانية الثقافية الذي ألقى كلمة توجه فيها اليه بالقول: "نشكر لكم لفتتكم الكريمة لزيارتنا التي نعتبرها سياجا من النعم، خصصتنا بها نحن ابناء لبنان في أفريقيا الغربية، فكنت خير من رعى، ونحن الأحوج الى الرعاية. نرحب بكم بالمحبة التي دعا اليها السيد المسيح ونحييكم بسلام الإسلام . ان خطوتكم هي لفتة تاريخية لن ننساها ابدا، وسوف تبقى في ذاكرة اللبنانيين الخالدة، ويسرنا ان نعلن اننا في هذا البلد، مسلمين ومسيحيين، نعيش معا اخوة متحابين ومتضامنين وفي قلوبنا يعيش لبنان، لبنان الذي نتمنى ان يعيش أبناؤه بطمأنينة وبحبوحة من الله في عهد فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وفي كل العهود".
وختم: "اننا، يا صاحب الغبطة، لا نجهل الرسالة الجليلة التي تحملون، ونسمع ما تقولون من حسن الأقوال والدفاع عن كرامة لبنان وعيشه الرغيد. فهنيئا للبنان بكم وبأمثالكم من رؤساء الطوائف المتحررة، ونرجو من الله سبحانه وتعالى أن يمد بأيادي اللبنانيين ليتعاونوا بمحبة واخلاص بعيدين عن كل عصبية جائرة".
ثم استقبل على التوالي وفودا من: المركز الثقافي اللبناني، الجمعية الإسلامية للتعليم والإصلاح فلجنة وقف رعية مار مارون - أكرا.
وكانت الجالية اللبنانية في غانا أقامت مساء امس عشاء على شرف البطريرك الراعي تخلله كلمات ترحيبية للجنة رعية مار مارون في اكرا ألقاها طوني هيكل الذي رحب بـ"صاحب الغبطة والحضور، وهو البطريرك الثاني الذي يزور أفريقيا الغربية بعد المثلث الرحمة البطريرك مار نصرالله بطرس صفير". وصاحب الغبطة هو صوت نبوي يقول الحق من دون مواربة ورسول رجاء. وما قيامكم بوضع حجر الأساس لمبنى المطرانية الجديد في اللاغوس، الا تأكيد على هذا الأمر".
ثم كانت كلمة لسفير لبنان ماهر خير، قال فيها: "الليلة غير كل الليالي، فاليوم أتى صاحب الغبطة والنيافة إلى غانا، الحامل رسالة المحبة وكلمة الحق والتسامح والبنيان التي تسمو على كل كلمات الظلمة التي نسمعها. البطريرك رجل الأمانة للرسالة هو الحامل تاريخ 1300 سنة من التاريخ الذي يواصله من أجل مجتمع اكثر أخوة هو أساس الاستقرار. وأضاف: كلمة شكر لغانا شعبا وقيادة التي تستضيف اللبنانيين منذ اكثر من 100 سنة".
ودعا "اللبنانيين الى اعادة الثقة بلبنان والتجذر به وعدم التخلي عن الهوية اللبنانية، بلد الرسالة والعيش معا"، مشددا على "مبادرة فخامة رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال عون في الأمم المتحدة حول انشاء أكاديمية الحوار والتلاقي واعلان لبنان بلد الحوار".
من جهته، حيا البطريرك الماروني الحضور ورد مفاخرا بالجالية اللبنانية "على ما بلغته في غانا"، واستشهد بالثناء الذي سمعه من نائب رئيس الجمهورية الذي التقاه اليوم شاكرا "دولة غانا على استقبالها للبنانيين وعلى توفير فرص العمل لهم".
ودعا اللبنانيين الى "محبة وطنهم اكثر وحمل رسالته ليس فقط في لبنان بل في كل بقاع الأرض حيث يوجدون". وأضاف: "حمل هذه الرسالة يعطي قيمة وشرفا لحامل جنسية هذا البلد بالرغم من الصعوبات الكثيرة التي يعيشها وطننا. هذه الصعوبات ليست لسقوطنا بل لتقويتنا في الثبات ودعم الوطن كل واحد في مجال عمله".
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك