الحقّ يُقال. كانت التظاهرة التي دعت إليها "منظمة الشباب التقدّمي" حاشدة، ولولا الدعوة الحزبيّة لاعتقد البعض أنّها تظاهرة شعبيّة قد تتوسّع، بعدما تحوّلت من مسيرة تحت عنوان الدفاع عن الحريّات إلى مشهد سياسيّ غير مسبوق يرفع شعارات قاسية ضدّ العهد.
فنّد وزير الصناعة وائل أبو فاعور خطاب رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل، وردّ عليه بنبرة صارخة في وجه نبرة باسيل في ذكرى ١٣ تشرين. وقف إلى جانبه وزير التربية أكرم شهيّب والنواب مروان حمادة وهادي أبو الحسن وبلال عبدالله، والنائبان السابقان فارس سعيد وفادي الهبر، وقياديين حزبيّين وناشطين وصحافيّين، قبل أن ينضمّ النائبان السابقان أنطوان زهرا ومعين المرعبي، وغيرهما.
كلّهم وجوه لم يرَها الناس مُنتفضةً في صورة واحدة منذ زمَن، والأنكى أنّ جميع الحاضرين يُريدونها إنتفاضةً أو ثورةً لكنّها في الواقع "فورة دم" بين شركاء التسوية الواحدة... لا أكثر حتّى اليوم.
المشهد كان ١٤ آذارياً فعلاً، لكنّ صاحب الدعوة الحزب الدرزيّ الأكبر من دون سواه. باسيل أشعل "شارع ١٤" الميّت على مدى الـ١٠ سنوات الماضية، وهو ما عجز عن فعله مَن تبقّى من قياديين وأصحاب رأي ومُغرّدين منذ ما قبل دخول العماد ميشال عون إلى قصر بعبدا. هم أنفسهم حاولوا، في الأيام والساعات الأخيرة التي سبقت ٣١ تشرين الأوّل ٢٠١٦ بقواهم كافّةً شدّ الحبال لتجنّب الكأس المرّ لانتخاب عون، لكنّهم فشلوا.
لم نرَ سعيد في شارعه وسط هتافات تُشبهه منذ فترةٍ طويلة. حاول استنهاض رفاقه في أكثر من مناسبة كي يستثمر الظرف، أو اللحظة المؤاتية لإعادة وهج الـ٢٠٠٥، فلم ينجح وحيداً. مزاج "الإشتراكي" البارحة كان يُشبهه بإمتياز، إلاّ أنّ الغصّة ظهرت جلياً على وجه "منسّق الأمانة العامة". كأنّه كان يسأل نفسه عمّا ينقص، أو يُعيق، القوى والأحزاب التي جلست يوماً على طاولةٍ واحدة للزحفِ، كلٌّ بمئاته وآلافه، إلى قلب بيروت. ربّما، لا بل طبعاً، كان يبحث عن جماهير "المستقبل" و"القوات" و"الكتائب" فلا يرى منهم سوى قياديّ من هنا أو ممثّل خَجول من هناك.
وربّما أيضاً كان يسأل نفسه: "هل جبران باسيل قادرٌ على تحريكنا بخطاب يُدافع فيه عن عون، أكثر من سلاح" حزب الله" ونفوذه الأكبر في الدولة؟"، والجواب معروفٌ طبعاً لكنّه صعب التصديق.
"رستم مش راجع"، كُتِبَ على اللافتة الأبرز في التظاهرة، ولا ١٤ آذار "رجعت" بعد. يُعوّل بعضها على زيارة باسيل إلى سوريا ليشتدّ العصب ويفور، بلا إنسحاب من الساحة بعد ساعة. أمّا البعض الآخر، فيئس من "الفاشلين" ولا يتوقّع منهم شيئاً، ولا ينتظر من "الإشتراكي" أيّة بوادر إن كان سيعود مجدداً ليجلس مع العهد ورئيسه وفريقه بعد هذا الغضب...
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك