بالترافق مع الانتفاضة الشعبية وأجندتها المطلبية، تدور في الشارع كما في السياسة مواجهة حادّة بين «التيار الوطني الحر» و»القوات اللبنانية»، في مؤشر واضح الى أنّ آخر جدران اتّفاق معراب هوت، وأنّ المصالحة اختنقت بدخان الإطارات المشتعلة، وكأن الزمن عاد دفعة واحدة الى عام 1990 حين كان النزاع على أشدّه بين الطرفين.
تواجه العلاقة بين «التيار» و»القوات» منذ فترة طويلة أزمة متعدّدة الأبعاد، بدءاً بالنزاع على الأحجام والمواقع داخل السلطة مروراً بطريقة إدارة الدولة والتعامل مع ملفاتها، وصولاً الى الانقسام الحادّ حول الخيارات السياسية والاستراتيجية.
وعلى الرغم من محاولات الطرفين المتكررة «تنظيم الخلاف» تحت سقف اتفاق معراب، إلّا ان تضارب المصالح والحسابات حال دون ذلك، بحيث أنّ التباعد بينهما اتّخذ منحى تصاعدياً خلال الأشهر الماضية، الى أن حصل «الفراق» بعد انطلاق حراك 17 تشرين الاول الذي فرض واقعاً جديداً.
لم يتأخر رئيس حزب «القوات» سمير جعجع في الإمساك بـ»السلّم» والصعود الى قطار الحراك الشعبي، ولو اضطر الى الجلوس في المقصورة الخلفية لبعض الوقت، مفترضاً أنّ هذا التوقيت هو الأنسب لتصفية الحسابات المتراكمة مع العهد، وإجباره إما على الرحيل كحدّ أقصى وإما على تقديم التنازلات كحدّ أدنى. قرّر جعجع المجازفة، فلعب أوراقه على المكشوف، وطلب من وزرائه الاربعة الاستقالة من الحكومة، ملتحقاً بصفوف المعارضة السياسية والشعبية، في موقف اعتبره البعض هروباً من تحمّل المسؤولية وطعناً للرئيسين ميشال عون وسعد الحريري في الظهر، بينما وضعته «القوات» في إطار التجاوب البديهي مع صرخة الناس والاعتراض على نهج العهد والحكومة في مقاربة التحديات القائمة.
والمفارقة، أنّ التيار لم ينزعج من استقالة وزراء معراب، بل لعله كان ينتظرها بفارغ الصبر بعدما ضاق ذرعاً بالمعارضة القواتية من داخل صفوف الحكومة، تطبيقاً لسياسة اعتمدها جعجع طويلاً، وفق قناعة العونيين، وفحواها: قدم في البور وأخرى في الفلاحة.
وبناءً عليه، يعتبر «التيار» انّ هذه «الاستقالة المتأخرة هي تنقية للصفوف الحكومية من المعرقلين الذين عطّلوا مشاريعه وشوّشوا على طروحاته، وبالتالي فهو يُصنّفها أحد مكاسب الحراك التي تريح العهد ولا تحرجه، بعدما خفّفت بعضاً من «الحمولة الزائدة» الملقاة عليه».
لكن الأخطر في سلوك «القوات»، بالنسبة الى «التيار»، هو «تسلّلها الى الحراك الجماهيري لتشويه صورته ومطالبه، ولجوئها الى اعتماد تصرفات ميليشيوية تحت غطاء الاحتجاج الشعبي، من قبيل إقامة حواجز وقطع طرق وفرض خوّات واعتداء على حرية التنقل للمواطنين، في استعادة لمشاهد الحرب».
بهذا المعنى، يشعر «التيار» أنّ «القوات» تسعى الى تنفيذ أجندة خاصة على ظهر المتظاهرين الصادقين، وانّها انتشرت على الأرض بلباس مدني، لتنفيذ أمر مهمة واضح وهو استهداف العهد من خلال رمزه ميشال عون و»التيار» عبر رمزه جبران باسيل. في المقابل، هناك من يفترض أنّ معراب «لعبتها صح»، وقطفت اللحظة سياسياً وشعبياً بالشكل الذي يخدم أهدافها، بحيث انسجمت مع نبض الناس وانحازت الى جانب مطالبهم المشروعة، الأمر الذي من شأنه أن يزيد شعبيتها في الشارع المسيحي، بدل أن تستهلك رصيدها في حكومة متعثرة ولا تملك فيها القوات دوراً مؤثراً أو حيوياً، ولاسيّما وسط التفاهم الصامد، على الرغم من اهتزازه أحياناً، بين «التيار الوطني» و»تيارالمستقبل».
ويشير أصحاب هذا الرأي الى أنّ «القوات» أدركت أنّ البقاء في الحكومة أصبح عبئاً ثقيلاً، وأنه ليس من الحكمة بشيء ان تستمرّ في تعويمها، من دون ان تكون شريكة حقيقية في رسم سياساتها، وبالتالي فهي تركت للأكثرية الوزارية ان تدفع ثمن خياراتها وتتحمل تبعاتها.
والأهم في حسابات «القوات»، حسب استنتاج مرجع سياسي بارز، افتراضها أنّها خسرت بضع مقاعد وزارية لتربح في المقابل فرصة رئاسية، «إذ يظنّ جعجع ان ورقة باسيل احترقت الى حدّ كبير، وأنه لم يعد مرشحاً قوياً الى رئاسة الجمهورية بعد انتفاضة 17 تشرين الاول، وحتى لو لم ترتفع حظوظ جعجع، يكفيه أن تكون أسهم رئيس التيار المسيحي المنافس قد تراجعت كثيراً عقب الاحتجاجات الشعبية التي حمّلته، في معظمها، جزءاً أساسياً من المسؤولية عمّا آلت اليه الامور».
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك