المكان: وسط بيروت.
الزمان: ليل الخميس ١٧ تشرين الأول ٢٠١٩.
الحدث:
- ملك عليوي حرز: حاطط سلاحك بوجهنا؟ يلّا يا قبضاي، ق وّص!
- أحد مرافقي الوزير: إيه بقوّص!
الوزير ينقذ الموقف. يترّجل من سيارته. "يضبّ" مرافقه الأول. وما إن همّ لـ "ضبّ" مرافقه الثاني، ركلت ملك هذا الأخير بـ "ضربة قاضية".
هذا هو السيناريو الذي جسده مقطع فيديو انتشر بسرعة البرق على مواقع التواصل الاجتماعي وجعل من ملك "أيقونة الثورة".
فيلم Action تستعرضه ملك لموقع mtv بأعصابٍ باردة: "وجّه سلاحو علينا فضربتو. العنف مقابل العنف". ليأتي السؤال البديهي: ألم تخافي؟
فتجيب: "بهيديك اللحظة، قلت Maximum بموت. ودخلِك شو الفرق؟ ما نحنا أصلاً مَيتين. ليش هيدي عيشة؟ قلت بموت بركي بيوعا الشعب".
كادت ملك تفتدي وطنها بروحها. وطن لم تجد فيه حتى الآن وظيفةً تليق بشهادتَي Banking وSociology.
لكن ملك لم تمت. ويوم الجمعة ١٨ تشرين الأول، استفاقت مع مئات آلاف اللبنانيّين وحشدوا لأكبر تظاهرة يشهدها لبنان منذ عقود. تقول: "بقينا ٦ أيام، ليل نهار، بالشوارع وهدفنا واحد، يفلّو كلّن!".
ويوم الأربعاء ٢٣ تشرين الأول، مشت ملك إلى جانب عريسها لتزفّ بالأبيض من "الرينغ" إلى "رياض الصلح" في عرسٍ وطني وسط آلاف المتظاهرين. تقول ملك: "كتبنا كتابنا بشهر آب وما قدرنا نعمل عرس بسبب أوضاع البلد. اقترحو رفقاتنا نعمل عرس بالمظاهرة. فاجأوني بالفستان وصارت الفرحة فرحتين. قلت للكلّ: عقبال العايزين وانشاءالله مننتصر".
وللمفارقة، في العام ٢٠١٥، كان زوج ملك، محمد حرز، هو أيضاً أيقونة الحراك الشعبي. عاطل عن العمل، وقد بلغ السابعة والعشرين من العمر، شارك كسواه من اللبنانيين في حراك "طلعت ريحتكم" رافضاً للفساد ومطالباً بحلٍّ لأزمة النفايات. في ذلك اليوم، أطلقت القوى الأمنية خراطيم مياهها باتجاه مواطنيها، وألقت القبض على بعض المشاركين ومنهم محمد الذي احتُجز لمدة شهر، ثم أُطلق سراحه.
وفي ١٦ تشرين الأول من ذاك العام، وأمام المحكمة العسكرية في بيروت، أضرم محمد النار بنفسه، غضباً واحتجاجاً على المماطلة في إطلاق سراح غيره من الموقوفين. فأصيب بحروق بالغة أقعدته في المستشفى لمدة شهرين. محمد هذا ذاق مرارة كأس قمع الحريات، ليصرّح لموقع mtv: "هربت من الواقع المرير بأن أقدمت على سكب غالون من البنزين على جسدي وأضرمت النار فيه، ربما يكون فعلي صرخةً مدوّية للمسؤولين وهروباً من جحيم العيش في وطن معذّب".
"ملك ومحمد"... الثنائي الثائر الذي ولدت قصّة حبّه في خلال تظاهرة العام ٢٠١٨ لم يختَر هذا الدرب. بل قدِّر له أن يكون "أيقونة الثورة". وهو يؤكّد أنّه لو عاد به الزمن إلى الوراء، لسلك المسار عينه ولكن مع تعديلات بسيطة. تقول ملك: "لو بيرجع فييّ الزمن لورا، والله ما كنت خلّيتو يفلت من إيدي… ولو بيصُحّلّي، كنت ضربت كلّ المسؤولين… كلّن يعني كلّن!".
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك