كلما تأخّرت المخارج والحلول الجذرية، تتعقّد الأمور اكثر، ويصبح من الصعب، لا بل من المستحيل، فكفكة العِقد، وحَرف سفينة البلد عن الوجهة التي ينساق اليها، والتي ينتظرها في نهايتها المصير المشؤوم.
وعلى ما عكسته الإنتفاضة في يومها التاسع، وكأن لسان حالها يقول.. كنا في شارع يغلي جوعاً وحنقاً على سلطة حطّمت كل آماله، فصرنا في شوارع تغلي في مواجهة بعضها البعض، وهي صورة مفزعة، من الطبيعي ان ينظر اليها اللبنانيون بتوجّس وقلق، مما قد تنحى اليه الأمور لأي سبب كان، طريق السقوط في المحظور.
صار من الضروري والملح ان تلبس السلطة وجه المصداقية، وتقارب غليان الشارع، بما يلبّي الحد الادنى مما يطلبه. المحتجون يريدون شيئاً ملموساً، فيما حال السلطة اليوم، اشبه بمسرح مظلم لا يُعرف ماذا يجري في داخله، وما يمنع هذه السلطة من تلبية مطالب الجائعين.
المشكلة الاساس، انّ حلّ الأزمة يحتاج الى صدمة ايجابية، لكن السلطة غائبة، بل انّها لم تعترف بعد انّ اداءها كان مدمّراً، واوصل الدولة الى ترهّل مؤسساتي وضعف اقتصادي والى مستوى فضائحي من الفساد المتفشي في كل المفاصل، جرّاء الاغلاط الجسيمة التي ارتُكبت ولا تزال.
ليس كافياً اعتراف السلطة بأنّ اخطاء قد ارتُكبت، كما ليس مفيداً ان يتخذ المسؤول، أي مسؤول، من أزمة الناس منبراً ليلقي من خلاله المسؤولية على مسؤول آخر. فمصير لبنان الدولة والكيان مهدّد، والوضع مفتوح ولا يحتمل أيّ تباطؤ، او اي غلط.
فلسان حال الناس يؤكّد انّ الترقيع لا يُخرج الناس من الشارع، وينتظر انّ تُقدم السلطة على حلول موجعة لها هي وليس للناس، تُثبت من خلالها انّها طوت صفحة ما قبل 17 تشرين الاول وفتحت صفحة بخطوات انقاذية فورية، تؤكّد من خلالها انّها قطعت علاقتها بكل الاداء الذي كان السبب الاساس في تدهور الاوضاع وتفاقم الكراهية والنقمة عليها التي استشرت في مختلف شرائح المجتمع اللبناني، وينبض بها الشارع في كل الساحات.
واذا كانت السلطة ممعنة في تباطئها المريب حيال الاقدام على خطوة ملموسة تحاكي المناخ الشعبي الجائع المنتفض عليها، فإنّ هذا المناخ يتعرّض لضغوط ليس من السلطة فحسب، بل مما يُحكى في مختلف الاوساط، عن محاولات سياسية من العديد من الاحزاب لركب موجة الشارع باعتراف المحتجين انفسهم، الذين يرفضون حرف انتفاضتهم عن عنوان الجوع الذي اشعلها، في اتجاهات سياسية اخرى.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك