مرّ أقلّ من أسبوعين على الحِراك الذي بدأ عفوياً وغير مُنَظَّم في لبنان وأكمل بتنظيمٍ وأموال كثيرة صُرفت لدعْم وجود المتظاهرين في الشارع (حسب كلام الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله) وإبقاء حِراكهم إلى حين «إسقاط الحكومة» وجملة مطالب أخرى.
فالجميع في لبنان وافقوا على فساد النظام السياسي - الطائفي الذي أعطى الحُكْم لبضعة أشخاص يفعلون ما يريدون من دون «حسيب ولا رقيب»، فيما السلطة القضائية معيَّنة من هؤلاء وتلغي القرارات التي لا تناسبهم، وقادة الأجهزة الأمنية يقفون على أبواب الرؤساء لأخذ الوظيفة الأفضل.
لم يعتقد أي لبناني أن هذا النظام سيُجابه بقوة الشارع وأن المسؤولين الحاليين سيشعرون بالخوف على عروشهم التي بُنيت منذ عقود، لهم ولأولادهم من بعدهم. إلا أن الحِراك اتخذ منحى آخر وفق وجهة نظر مراقبين يشخصون الوضع من منظور آخر غير منظر مؤيدي الحراك، فهم يعتبرون «إن مَطالبه المُحِقّة لا يحصل عليها بإسقاط كل النظام، فلبنان يحتاج لمجلس نواب يسنّ القوانين ولحكومة تنفّذها. فإذا أُسقطت الحكومة والبرلمان ورئيس الجمهورية فمَن يتسلم الحكم؟ يبقى فقط الجيش اللبناني الذي أصلاً محكوم من القادة السياسيين الحاليين. وبالتالي يُسهل انشقاقه للوصول إلى الفوضى التامة وهذا ما تصبو اليه دول عدة في الشرق الأوسط وعلى رأسها إسرائيل لأن ذلك من شأنه إلهاء حزب الله بالوضع اللبناني الداخلي».
ويتابع هؤلاء المراقبون: «ما لا تعلمه إسرائيل أنه، في حال الفوضى الكاملة، فإن حزب الله سيحكم على الأقل جنوب لبنان والبقاع (طبعاً بيروت الضاحية). وهذا لا يعني أن إسرائيل ستستطيع أن تنام بهدوء لأن اتجاه الفوضى لم يكن أبداً معلوم النتيجة (...) وحتى لو سيطر حزب الله على الجنوب ومناطق أخرى، فهذا لا يصبّ في مصلحته لأنه مؤلَّف من لبنانيين لا بلد غيره يلجأون إليه ومن مصلحتهم بقاء البلد موحّداً. فالمَثَل الليبي غير بعيد وما حصل في العراق أقرب وما يحصل في سورية أكبر مثال على ذلك. نعم يصبح لبنان أفقر بكثير ومدمّراً تحكمه سلطة الغاب أو الأقوى ولكن هذا ما لا يريده أكثر المتظاهرين ولا حتى السياسيين المتَّهَمين بالفساد».
والمُلاحَظ ماذا حصل في الساعات الأخيرة في لبنان كان حازماً:
فحسب مصادر مطلعة «أعطي للجيش 48 ساعة لفتْح كل الطرق الرئيسية من دون المساس بالحراك ما دام لا يغلق الطرق. وإذا فشل الجيش بذلك فسيكون هناك قرار سياسي - حكومي مختلف تماما يؤدي إلى فتح الطرق في كل لبنان».
وتقول المصادر «كان حِراك الزعيمين الدرزي وليد جنبلاط والماروني سمير جعجع على وشك ان يتمكن من الحصول على مطالبه بإسقاط وزير الخارجية وصهر رئيس الجمهورية جبران باسيل إلا أن اتصالات اللحظات الأخيرة حالت دون ذلك لأن إسقاطه يصبّ في مصالح مَن يريد المطالبة بالمزيد لأخذ البلد نحو الفوضى».
أما الحكومة المصغّرة، تضيف المصادر، فلن تحل المشكلة لأنها تحتاج إلى موافقة مجلس النواب المحكوم بالأحزاب السياسية. والانتخابات على أساس الدائرة الواحدة مرفوضة تماماً من المسيحيين وعلى رأسهم جعجع والبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي. وحكومة تكنوقراط مهمّة وضرورية ولكنها ستأتي من رحم الأحزاب الحاكمة حتى ولو كانت مهنية فهي ستلبي طموحات هؤلاء ولن تنجز الكثير لأن الفساد متجذر في الدولة، بحسب المصادر.
إذاً، التواجد في الشارع - من دون إغلاقه - ضروري لإبقاء الضغط على السلطة إذا تقاعست عن القيام بإصلاحاتٍ تتبعها أخرى. ولكن المشوار طويل وما صُنع من فساد في عقود لن تنهيه تظاهرات أسابيع لأن زمن مقصلة الثورة الفرنسية انتهى.
لقد أخذ «حزب الله» على عاتقه ملف مكافحة الفساد، وهي مهمة شبه مستحيلة يحتاج ليس فقط للشارع لدعْمها بل لمعجزة من الممكن أن تحصل إذا انتفى وجود أمراء الحرب وقبل هؤلاء بالذهاب طوعاً إلى المنفى. وإلا فطريق مكافحة الفساد وعر وصعب.
ويُتّهم حلفاء «حزب الله» بالفساد وكذلك يُتهم بأنه يدافع عن هؤلاء. وبحسب المصادر «فإن ذلك غير دقيق فالخيارات هي بين أهون الشريْن. فاليوم يتواجد الرئيس عون على رأس السلطة وله جمهوره وكذلك رئيس الوزراء سعد الحريري وله مناصروه حتى ولو تصدّع هؤلاء بسبب مواقف الدول الإقليمية ضدّه. ولكن مَن هو الذي لا أخطاء له؟ فالبدء بالخطوة الأولى في رحلة الألف ميل أفضل من عدمها وأفضل من الفوضى الشاملة غير محسوبة النتائج».
إنه لبنان البلد المبني على الواسطة والخدمات المتبادلة. بلدٌ يحتاج لسنوات طويلة وجيل جديد منفتح على العالم يأخذ نماذج في بلدان أخرى يريد تطبيقها. فالمهمة معقدة والطريق محفوف بالألغام والمطبات، والتدخلات الخارجية ليست بعيدة عنه بتاتاً وهي تنفق الملايين يومياً للوصول إلى الفوضى وضرْب نفوذ إيران في لبنان. أما النتيجة فإن الأسابيع المقبلة ستحدّدها.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك