لا يتمنّى كثيرون أن يكونوا جبران باسيل في هذه الأيّام. تنطبق عليه الآن صفة "الرجل الذي لا ينام" أكثر من أيّ وقتٍ مضى. ولكن، لو كنت مكانه، لخرجت الى اللبنانيّين بهذه الرسالة:
"أيّها اللبنانيّات، أيّها اللبنانيّون،
أدرك جيّداً أنّ هذه المرحلة تحكمها الغرائز وأنّ كلامي قد يلقى رفضاً من قبل كثيرين، حتى قبل الإنصات إليه. ومع ذلك، رأيت أنّ من مسؤوليّتي أن أتوجّه إليكم بهذه الكلمة الرسالة.
لقد أصغيت، منذ بدء التظاهرات في عددٍ من المناطق، الى شعاراتكم ومطالبكم وأوجاعكم، وعلى الرغم من الألم الكبير الذي شعرت به نتيجة استهداف أفراد من عائلتي بالشتم، أدرك أنّ الكثير ممّا قلتموه أصبتم به وهو ترجمة لواقع نعيشه في لبنان منذ انتهاء الحرب الأليمة.
لقد جمعت، في ممارستي للعمل السياسي، أكثر من موقع من الوزارة الى النيابة ورئاسة التكتل والتيّار، وتابعت عمل وزارات ولم أوفّر جهداً، ولعلّ العمل الكثير والجهد الكبير أوقعاني مرّات في الخطأ، ولعلّ السلطة أسقطتني مرّات في خطأ المكابرة، وقد نشأت حولي طبقةٌ من المستفيدين وأصحاب المصالح التي تُسمع عادةً المسؤول ما يرغب بسماعه، بدل أن تنقل له الصورة الحقيقيّة.
ولعلّ الخطأ الكبير هو أنّنا رفعنا من مستوى طموحنا فارتفع مستوى الخيبة عند كثيرين، وأحجموا عن رؤية بعض الإنجازات التي تحقّقت، وحمّلونا مسؤوليّة ارتكابات الآخرين، ممّن كنّا نتّهمهم نحن بالفساد قبل أن نجد أنفسنا جالسين معهم على الطاولة نفسها، ونكرّر بعض أخطائهم بفعل التركيبة اللبنانيّة والحسابات الخارجيّة التي تفرض التسويات.
إنّ الثورة التي أعلنتموها كنّا أول من حمل شعلتها، وأعترف بأنّ بلوغ السلطة والحاجة الى التعامل مع الأمر الواقع، الذي كنّا نرفضه، أخمد بعضاً من نار الثورة في قلوبنا، وتُهنا بين أن نكون حزب سلطة وبين أن نكون فريقاً تغييريّاً، فنشأت ازدواجيّة في خطابنا تستوجب إعادة نظر وقراءة نقديّة.
ولكنّ ما يحصل اليوم، من إقفال طرقات ومؤسسات عامّة وخاصّة ومن تعطيل لحركة القطاعين العام والخاص، يعيدنا سنوات الى الوراء ويحمّل اقتصادنا المثقل أعباءً تفوق قدرته، والأهمّ أنّه يدخلنا في نفقٍ مظلم نستشعر مخاطره ونستنكر مشاهده التي تابعناها في الأيّام الأخيرة، وقد ارتكب بعضها حلفاء لنا وقد يستغلّها أيّ فريق داخليّ أو خارجيّ في أيّ وقت.
لذلك، أدعو جميع اللبنانيّين، من نزل منهم الى الساحات ومن بقوا في منازلهم لأيّ سببٍ كان، الى أن نجعل من هذه الانتفاضة الشعبيّة فرصةً لتعويض ما فاتنا ولتحقيق الإصلاح المنشود والتغيير المطلوب.
ما من لبنان قويّ إذا كان شعبه ضعيفاً ومؤسّساته وهنة، ولذلك سنرضخ لإرادة الشعب، وهي إرادتنا أصلاً، ونشرع في عمليّة إصلاحٍ شاملة ستلمسون نتائجها فوراً.
ولذلك، وتعزيزاً لثقة الناس وتلبيةً لمطالب المتظاهرين، أدعو من موقعي كرئيس تكتل نيابي، الى استقالة الحكومة وتشكيل حكومة جديدة فوراً، وفي اليوم نفسه، على أن نقف الى جانبها وندعمها وننضمّ الى صفوف الناس في مراقبة مسارها وتصويبه عند الحاجة، مع ضرورة أن تكون الحكومة مطعّمة بأصحاب اختصاص وكفاءة ومصداقيّة.
إنّ ثقة الناس تبقى الأغلى والأهمّ، وهدفنا الأول سيكون تعزيز هذه الثقة، وسنصنع معاً، أنتم ونحن، وطناً أفضل خصوصاً في السنوات الثلاث المتبقية من عهد فخامة الرئيس الذي نحتفل بعد ثلاثة أيّامٍ بذكرى انتخابه.
عشتم وعاشت إرادة الشعب اللبناني وعاش لبنان".
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك