إنتظر رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب السابق وليد جنبلاط استقالة الرئيس سعد الحريري بفارغ الصبر، بعدما اضطر عقب انطلاق انتفاضة 17 تشرين الأول الى أن يبقى معه في المركب نفسه، ولم يقفز منه كما فعل رئيس حزب «القوات اللبنانية»، على الرغم من أنّ جنبلاط كان متحمّساً لاستقالة الحكومة منذ بداية الحراك، إضافة الى أنّه كان معترضاً بشدّة على عدد من مفاصل الورقة الاقتصادية التي أقرّتها الحكومة لاحقاً.
يمكن القول إنّ جنبلاط هو من بين المسرورين باستقالة الحريري وسقوط حكومته بالضربة القاضية، بعدما شعر أنّ قواعد اللعبة الداخلية اختلّت بشكل كبير خلال المرحلة السابقة، وانّه يتعرض للعزل والحصار داخل مجلس الوزراء وخارجه، «نتيجة سلوك العهد ورئيس «التيّار الوطنيّ الحرّ» الوزير جبران باسيل، ومسايرة الحريري لهما تحت سقف حماية التسوية الرئاسية».
وبهذا المعنى، فإن استقالة رئيس الحكومة وجّهت ضربة قاصمة لظهر التسوية الشهيرة، وبالتالي لمعادلة الحريري - باسيل التي أغضبت جنبلاط كثيراً منذ بداية ولاية الرئيس ميشال عون، لأنّها نسفت في رأيه التوازن الضروري في السلطة و«أطلقت العنان لطموحات رئيس «التيّار الحرّ» الذي لم يجد من يتصدّى له بالحزم المطلوب».
ومن المعروف أنّه سبق لجنبلاط أن حضّ رئيس الحكومة، مرات عدّة، على قلب الطاولة والانتفاضة على نهج العهد وباسيل، مبدياً انزعاجه من مبالغة الحريري في مراعاة تفاهمه مع عون ورئيس «التيّار الحرّ» على حساب مقتضيات الشراكة والتوازن، وفق مفهوم رئيس الحزب الاشتراكي لهما.
وبعد إعلان الحريري استقالته، بدا جنبلاط متعاطفاً معه، ومقتنعاً بأنّ الرجل بذل أقصى جهد ممكن خلال الأيام الماضية من أجل إيجاد تسوية للأزمة المستجدة، وقدّم أكثر من طرح في هذا الاتجاه، «لكنه قوبل بالرفض والسلبية من قبل المعنيين بسبب إصرارهم على عدم الاستغناء عن بعض الأشخاص»، في تلميح واضح الى اسم باسيل.
ويؤكّد جنبلاط لـ«الجمهورية» أنّه يؤيد إعادة تكليف الحريري برئاسة الحكومة المقبلة إذا كان مرشحاً او مستعدّاً للعودة الى السرايا الحكومية مجدداً، معتبراً انّه لا بدّ للعبة الديموقراطية من أن تأخذ أبعادها الكاملة وإجراء الاستشارات النيابية الملزمة لتسمية الرئيس المكلّف.
وفي انتظار إنجاز هذه الآلية الدستورية، يدعو جنبلاط الى احترام المتظاهرين وحقهم في التظاهر، وبالتالي عدم استخدام العنف ضدّهم، لكنّه في الوقت نفسه يطالب بالتوقف عن قطع الطرق، خصوصاً الأساسية منها، مثل طريق الشام وأوتوستراد الجنوب.
ويضيف: أعرف انّ هذا النداء ربما يكون غير شعبيّ في صفوف المحتجين، إلّا انني لا أجد فائدة من الاستمرار في إقفال الشوارع، لأننا نقطعها على أنفسنا.
وماذا عن طبيعة الحكومة المقبلة التي يحتاج إليها لبنان؟
يعتبر جنبلاط انّ المطلوب في هذه المرحلة الحساسة تشكيل حكومة تكنوقراط تتولى التصدي للأزمة الاقتصادية - المالية وترميم ثقة الداخل والخارج في الدولة، لافتاً الى انّه سبق له أن دعا مع بداية الحراك، الى إجراء تعديل وزاري جوهري يُخرج الأسماء المستفزة من الحكومة، «ثمّ دعمت خيار التوافق على التغيير الشامل نحو حكومة تكنوقراط، إلّا انّ عناد البعض أوصلنا الى هنا».
وقيل له لكنّ «حزب الله» ليس مؤيداً لتشكيل حكومة تكنوقراط وسيكون خارج صفوفها، خصوصاً في ظلّ الاستهداف الذي يتعرض له، فيسارع جنبلاط الى التأكيد أنّ «حزب الله» يجب الّا يشعر بالقلق، مشدداً على أنّ قضية سلاحه ينبغي أن تخضع لاحقاً لحوار طويل المدى، «علماً أنّ هذه المسألة تتوقف كذلك على الظروف الاقليمية».
وفي رسالة لافتة الى الضاحية، قال: مسألة السلاح لا تُناقش في هذا التوقيت، وليس جائزاً لأحد أن يغامر الآن، بل انا أعتبر ان كل طرح من هذا القبيل يصدر عن اي جهة سياسية سيكون نابعاً من غباوة او تآمر.
ويشير جنبلاط الى أنه أطلق خلال الايام الماضية أكثر من جرس انذار واقتراح للمعالجة، «الا ان هناك قوى لم تسمعنا»، مشدداً على ان الحريري سعى جاهداً على امتداد 14 يوماً لايجاد الصيغة المناسبة التي تنقذ الموقف، «غير ان كل طروحاته قوبلت بالرفض، ويا للاسف».
وعمن يتحمل المسؤولية عن الوصول الى المأزق الحالي، يتجنب التسمية المباشرة، مكتفياً بالتلميح الأبلغ من التصريح، قائلا: معروف من أوصلنا الى الافق المسدود.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك