طرح المتظاهرون في الشارع، طيلة أسبوعين، الكثير من الشعارات، بعضها غبيّ وبعضها غير منطقيّ. لكنّ كثيرين عبّروا عن أوجاعٍ متراكمة تقف وراءها الطبقة السياسيّة التي تولّت إدارة لبنان منذ انتهاء الحرب.
ثار الناس، من نزل منهم الى الشارع ومن تعاطف من منزله، لأنّهم يسمعون وعوداً كاذبة منذ سنوات. من يدّعي محاربة الفساد، يشارك في الفساد ويغطّي الفاسدين ويتحالف معهم، في الحكومة والنيابة والتعيينات التي أتى بعضها بمن لا يستحقّ أن يكون أمين مستودع، فإذ بالزعماء يكلّفونه إدارةً وقضاءً ومؤسسات ومجالس بميزانيّاتٍ ضخمة.
منذ انتهاء الحرب وحتى اليوم، يذهب الشبعان ويأتي الجوعان. وترتفع الشعارات ونسمع خطباً جميلة ولا نرى إنجازاً. حتى الورقة الإصلاحيّة الأخيرة كانت تسوّق لأكثر من صفقة، في الهاتف الخلوي و"السكانرز" والكهرباء.
وعلى سيرة الكهرباء، فقد سَرق منها الكثيرون، منذ التسعينيّات وحتى اليوم، رؤساء وزعماء ووزراء وسماسرة. ولا كهرباء حتى الآن، ودواخين معمل الزوق تقتل الناس، وما من وزيرٍ حماهم حتى الآن من سرطان التلوّث.
لقد ثار الناس لأنّ مطارهم وسخ ومرفأهم يسرح فيه المهرّبون ويمرحون، وحدود بلدهم فالتة للزعران والمهرّبين، وبعضهم أعضاء في مجلس نيابي انتُخب بأسوأ قانون. ولأنّ طرقاتهم تتسبّب بمقتل المئات سنويّاً، وبحرهم ملوّث والشاطئ مسروق وبعضه تحوّل الى مطمرٍ للنفايات.
لقد ثار الشعب لأنّ بعض سياسيّيه يمنّنونه ليل نهار، ويدّعون نظافة الكفّ بينما يتشاركون في الصفقات. وثار لأنّ السياسيّين يضعون أيديهم على القضاء، وبعض القضاء فاسد، وبعض الأمن فاسد، وبعض الهيئات الرقابيّة فاسد...
أتسألون لماذا ثار الشعب؟ اسألوا والد ايلا طنوس الذي لم يتمكّن منذ سنوات من محاسبة من تسبّب ببتر أطراف طفلته في جمهوريّة بُترت فيها أخلاق وضمائر بعض المسؤولين.
واسألوا من ينامون في السجون منذ سنوات بلا محاكمة. واسألوا من يُحرمون من الجنسيّة اللبنانيّة بينما يجدون أصحاب المليارات ينالونها في مراسيم مهرّبة وبعضها مدفوع الثمن، في معظم العهود.
وثاروا، أيضاً وأيضاً، لأنّهم يدركون أنّ أمين عام حزب أقوى من رئيس جمهوريّتهم ورئيس مجلس نوّابهم ورئيس حكومتهم ووزرائهم ونوّابهم...
ربما لن يحقّق ما حصل في الشارع شيئاً. ربما يتحوّل الى زعرنات وبهلوانيّات وقطع طرقات بلا أهدافٍ واضحة. وربما يتسبّب بإراقة دماء. لكنّ الثابتة الوحيدة هي أنّ السلطة التي حكمتنا سابقاً وتحكمنا اليوم فاشلة أو فاسدة أو الإثنتين معاً، وهي تستحقّ، من "الثوّار"، أن يقطعوا لهم أيديهم التي سرقوا بها، لا الطرقات على اللبنانيّين.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك