قبل ساعات من استقالة الرئيس سعد الحريري من الحكومة نهار الثلاثاء 28 تشرين الأول المنصرم، قامت مجموعات من "الشبيحة" متسلحين بالعصي والآلات الحادة بالهجوم على ساحتي رياض الصلح والشهداء، فأقدموا على ضرب المتظاهرين، وتسببوا بإصابات عدة في صفوفهم، وحرقوا خيم الاعتصام وحطموها وسرقوا محتوياتها ومعداتها الصوتية. وهذا كله لترهيب المعتصمين وحملهم على إخلاء الساحات.
لم يُعرف إن كان ذلك عملاً ثأرياً استبق استقالة الحريري، أم أنه يهدده بالويل والثبور في حال استقالته، أم يحتمل الوجهين معاً. وفي كلا الحالتين لم يكن الهجوم عفوياً على الإطلاق، بل معداً ومنسقاً!
شطر كبير من هؤلاء الشبيحة المعتدين معروفون جيدا. وقد حلّ ناشطون مكان الضابطة العدلية، فتداولوا على مواقع التواصل الاجتماعي صورهم وحساباتهم وأرقام هواتفهم، وسواها من التفاصيل المتعلقة بهم، أملا بتحرك الجهات الأمنية والقضائية المعنية لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بحقهم.
كما قامت أيضاً مجموعة من المحامين المتطوعين لهذا الغرض (لجنة المحامين للدفاع عن المتظاهرين في لبنان)، بدعوة المتضررين عبر صفحة خاصة بهم على "فايسبوك"، إلى التواصل معها على خط ساخن للمباشرة بالإجراءات القانونية في حق الشبان المعتدين.
وتضم "لجنة حماية المتظاهرين في لبنان" مجموعة المحامين المستقلين (نحو 25 محامياً) من مناطق لبنانية مختلفة، يقدمون الدعم القانوني للمتظاهرين والمعتصمين الذين ليس لديهم محام، من دون أي تمييز. وانطلق عمل اللجنة خلال حراك أزمة النفايات في العام 2015، كردة فعل على قمع السلطة التظاهرات، فدافعت عن المتظاهرين أمام المحكمة العسكرية والقضاء الجزائي، واستأنفت عملها لدى انطلاق ثورة 17 تشرين 2019، نتيجة استخدام الأجهزة العسكرية والأمنية القوة المفرطة، وتوقيف أكثر من 130 متظاهراً في اليومين الأولين من التظاهرات، التي طالت مناطق لبنان كلها، عدا عن الدفاع عنهم بسبب تهديد أصحاب العمل للمتظاهرين المشاركين في العصيان المدني، بالصرف أو الحسم من أجورهم.
بناء على شهادات أولية، وثّقت اللجنة شعارات الشبان المعتدين وهتافاتهم، وأوضحت بجلاء أنهم من مناصري "حركة أمل" و"حزب الله"، و"كانوا يتلقّون أوامر بواسطة الهاتف". وتقول اللجنة في بيان نشرته على صفحتها: "سُمع أحدهم يقول: "ما بدك نولعها سيدنا؟ ولم تُسمع أي إدانة للاعتداء من أي من السياسيين المعنيين". واتهمت اللجنة الجيش والقوى الأمنية بـ"التنسيق الضمني مع المعتدين بناءً على معطيات أولية"، استدلّت إلى ذلك من خلال "استمرار الاعتداء ما يقارب ساعتين من دون أن تحاول القوى الأمنية والجيش إيقافه، رغم وجودها في الساحات ومشاهدتها أعمال العنف. وحينما طلب المتظاهرون النجدة من القوى الأمنية رفضوا وقالوا: ليس لدينا أمر بذلك!". وهذا علماً أن القوى الأمنية لم توقف أحداً من المعتدين، على عكس ما فعلت مع المتظاهرين الذين أوقفت عدداً كبيراً منهم في بدايات الانتفاضة. وتعمل اللجنة على إطلاق سراح متظاهرين احتُجزوا في مدينة صور، يجري التعتيم على عددهم الحقيقي!
تواصلت "المدن" مع المحامية غيدة فرنجية العضو في اللجنة، فقالت عن اتهام مناصري "حركة امل" و"حزب الله" إن اللجنة "واضحة في اتهاماتها. والناس شاهدوا وسمعوا هتافات وشعارات المعتدين عبر وسائل الإعلام. وهم أعلنوا صراحة على الشاشات أنهم من أنصار حركة أمل وحزب الله. وتشير المعطيات إلى أن ثمة تنسيقاً ضمنياً بينهم وبين القوى الأمنية. التوثيق جارٍ لنرى وجهة الإجراءات القانونية حيال المتهمين، والسبيل الأمثل لمعاقبتهم".
تضيف فرنجية: "الضحايا والمصابون هم الذين يقررون ويحددون الجهات التي ينوون التقدم بدعاوى ضدها: المعتدون بأشخاصهم، أم الأحزاب التابعين لها. وإذا امتنع المعتدى عليهم عن التقدم بهذه الشكاوى، يمكن تقديم إخبارٍ للنيابة العامة بالأدلة الموثقة كلها. وقد فتحت النيابة العامة التمييزية في مخفر وسط بيروت، تحقيقاً في هذه الحادثة. ويمكن لأي متضرر أن يقصد المخفر مباشرة للإدلاء بما لديه من معطيات، أو أن ينسق مع اللجنة. المهم أن تصل المعلومات كلها إلى السلطات القضائية المختصة، حتى لا يحصل ما حصل في العام 2015، عندما تعرض المعتصمون احتجاجاً على أزمة النفايات، للضرب، ولم يحاسب القضاء المعتدين بسبب عدم توثيق الأدلة. أولوية اللجنة اليوم هي المحاسبة، وعدم الإفلات من العقاب. لكن التفاصيل والإجراءات والدعاوى تحتاج إلى وقت وهدوء وتحليل قانوني، لرسم الاستراتيجية الأمثل للتحرك. نحن اليوم لدينا شهود ومدّعين، وعمل فريقنا مكرّس على هذا الشقّ، تمهيدا لتقديم الشكاوى في حينه".
وختمت فرنجية حديثها بالتأكيد على أن "الأدلة ضد الأشخاص المعتدين بحوزتنا، ونحن نطلب ممن يملك معلومات إضافية عن المعتدين الذين ظهرت صورهم على شاشات التلفزة، تزويدنا بها على الخط الساخن، بغية تعزيز الملف. فالتوثيق عملية تحتاج للكثير من الوقت والجهد"... فهل يلتزم القضاء بمسؤولياته؟
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك