لم يتعب اللبنانيّات واللبنانيّون الأحرار منذ 17 تشرين الأول. ملأوا الساحات وجعاً ممّا آلت اليه أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية والسيادية. وزرعوا في الساحات عينها رجاءً بإمكان انتشال لبنانهم، الذين أحبوا، من براثِن تنانين مُحكَمة القدرة على تفتيت طموحاتهم كما اعتقدت.
لم يتعب اللبنانيّات واللبنانيّون، ولن يتعبوا، مهما راهن أولئك المستأسدون على انجرافاتٍ بفِعل أدوات السلطة التي يملِكون. في صراع إراداتٍ نحيا هذه المرحلة. ومن ثبت الى منتهى إنجاز تغيير راديكالي بالمراكمة الهادرة والهادئة فذاك يخلُص، ويعود لبنان الى لبنانيّته.
منذ ذاك اليوم التشريني الواعد، تأكّدَت جملة حقائق كان قد تيقّن أسياد المنظومة الميركانتيليّة المكيافيليّة من أنهم دفنوها، وهم منذها يحاولون التأكيد على أنها جثة هامدة، وما محاولات اللبنانيّات واللبنانيّين الأحرار إحياءها، بحسبهم، سوى إمعانٍ في مجهولٍ لا يُحمد عُقباه. كذا هدّدوا بالانهيار من الفراغ بعد أقل من 48 ساعة من اشتعال الحراك الشعبي. كذا كابروا وعاندوا بعد أيام أربعة من تكرّس الحراك انتفاضة ثابتة. كذا أداروا محرّكات الهجوم المضاد عملانيّاً بصُوَر قبيحة لا تُشبِه حضارة وطن الأبجديّة.
حقائق عدّة أكّدها اللبنانيّات واللبنانيّون الأحرار، ومن المفيد التوقّف عندها.
1- الطائفية السياسيّة اللّعنة!
مسيحيّين ومسلمين تنادوا معاً، ليرفضوا أن تتحكّم بهم بعد اليوم مجموعة تتلطّى بالطائفيّة لتحسين مواقعها السياسية ومكتسباتها الانتفاعية. أدلجة الدّين سياسيّاً هو الخطيئة، أما التنوّع الطائفي من مواطنة حاضنة للتنوّع فهذا قمّة الرقيّ الذي تعود الى التفكّر في مآلاته مجتمعات الغرب العلمانيّة.
2- تفاهة حُكم الأقوياء!
الحكمة والعدل معيارا قوّة الحُكم. أما بناء مساحات تحالفاتٍ متناقضة، وتسخيف معنى التمثيل الشعبي بتكديس وزراء نوّاب، أو عتادٍ وعديد لأهداف لا تمُتّ بصِلة الى هموم الناس ومصالح الأمن القومي السيادي، أما هذا البناء المترهّل والملتبِس فيُظهر أن وهم حُكم الأقوياء على كثيرٍ من التفاهة.
3- كذبة التسويات لدولةٍ غنيمة!
رغم كلّ مل انتجه الشارع الثوري حتى الآن من أدبيّات تتجاوز الطائفيّة السياسيّة اللعنة، وتفاهة حكم الأقوياء، ثمّة من يصِرّ على الحديث عن استمرار تسوية أو تسويات، فيما ليست هذه الأخيرة سوى انقضاضٍ على الدولة الغنيمة التي ما عادت غير هيكليّة مجوّفةٍ من الأخلاق في ما يُعنى بالحوكمة السليمة. ليس لبنان بلد التسوية أو التسويات المصلحيّة سوى في العقول الواهمة لمن تبقّى في السلطة شكلاً.
4- ديناميّة القطاع الأكاديمي!
لم تتوانَ الجامعات عن ملاقاة الناس في الشارع. لم تلاقِ الناس الجامعات حصراً. كل القطاعات كانت في حركيّة استثنائيّة. لكن تحرّك الجامعات هذه المرة يوجِب استعادتها مقاربة لموقعها العلمي والوطني والديونتولوجي لاستعادة زمام المبادرة الى قيادة ديناميّة الثورة بأهداف ممرحلة وممنهجة.
تصويب المفاهيم أساس. وتصويب المسارات في السياسات العامة أساسٌ ايضاً.
ما اللبنانيّات واللبنانيّون الأحرار بصدده، من ثورة تحرّر ورفضٍ للاستنقاع المفروض عليهم في مأساة المشتركات، سيكون مكلِفاً جداً.
ومن الواقعي أن يقتنعوا بموجبات ماراتون النَفَس الطويل والعميق، إذ إنهم عُزّل إلا من إرادتهم، فيما السُلطة متجذّرة، ولن تبخس أي وسيلةٍ لقمعهم تارة بالعنف، وطوراً بمخمليّة التطويع.
موجبات الماراتون الصامد حتى خطّ النهاية يقوم فَهم أن مكافحة الفساد ومحاسبته دون استعادة السيادة عبث. التضليل الذي تستخدمه السلطة مكشوف.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك