يَمْضي لبنان في «شدّ الأحزمة» بملاقاة الأزمة التي انفجرتْ مع اندلاع «ثورة 17 أكتوبر» وإسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري باستقالته، من دون أن يَظْهر في الأفق القريب ما يشي بإمكان توفير مَخْرج آمِن من «ممر الفيلة» الذي يبدو أن البلاد «علقت فيه» لتصبح «بين ناريْ» واقعٍ سياسي - دستوري مأزوم ومفتوح على الجغرافيا اللاهبة في المنطقة وبين وضْعٍ مالي - اقتصادي وكأنه «على فوهة» الانهيار المدمّر.
ومع دخول استقالة الحريري أسبوعها الثاني اليوم، تزداد المؤشراتُ إلى محاولاتٍ لإيجاد «توازن سلبي» على مساريْن متوازييْن: الأول بين أطراف السلطة الذين وضعتْهم الثورة المستمرّة منذ 19 يوماً في موقعٍ «دفاعي» والذين لا يتوانى بعضهم عن استخدام الشارع لتعزيز وضعيّته بوجه الآخَرين، والثاني بين السلطة والثورة «الصامدة» في الساحات المترامية وبزخمٍ فاجأ الائتلاف الحاكم، وشعارها الثابت «كلن يعني كلن» في الطريق الى حكومة تكنوقراط من مستقلين تمهّد لانتخابات نيابية مبكرة.
وغداة «اختبارَ القوة» في الشارع (الأحد) والذي ظهّر صعوبة «تدجين» الانتفاضة بعدما أحْدثت تظاهرة «التيار الوطني الحر» الداعمة لرئيس الجمهورية ميشال عون والوزير جبران باسيل ردّ فعل عكسياً لجهة استعادة الاحتجاجات العابرة للطوائف والمناطق زخمها في الميادين وكأنها في اليوم الأول، بدا واضحاً أن مسار الخروج من الأزمة بدءاً من تكليف رئيسٍ للحكومة قبل تأليفها ما زالت تعترضه تعقيداتٌ وحسابات متداخلة ومتعارضة يصعب التكهن بكيفية تفكيكها.
وفيما شكّل اللقاء الأول من نوعه الذي عُقد أمس بين الحريري وباسيل منذ استقالة رئيس الحكومة الثلاثاء الماضي «كَسْراً للصمت» على خط علاقة الطرفين وسط اعتبار أوساط مراقبة أن نتائج هذا الاجتماع ستكون «المفتاح» أو «القفل» في تحديد عون موعد الاستشارات النيابية المُلْزمة لتكليف رئيس الحكومة العتيدة، لاحظتْ مصادر مطلعة أن الأزمة تحتزلها حتى الساعة «خطوط حمر» متقابلة يمكن اختصارها بمعادلة مزدوجة: «حزب الله» لن يكون خارج الحكومة، ولا حكومة من دون باسيل، ما يعني عملياً «الفيتو» على أي حكومة تكنوقراط صافية كما أي حكومة تكنو - سياسية لا تضمّ زعيم «التيار الحر» الذي ذهب إلى حدّ ربْط عودة الحريري إلى السرايا ببقائه في الوزارة.
وإذ سادت مخاوف من أن تدخل معاودة قطْع الطرق الرئيسية من قبل المحتجين على خطّ شدّ الحبال في ما خص عملية التكليف والتأليف بعدما كانوا قريبين من عون عبّروا مراراً عن رفْضه تليين موقفه تحت هذا الضغط، لم يكن ممكناً أمس تحديد كيفية تدوير الزوايا في «الحلّ الوسط» الذي يتقاطع أطراف السلطة عند الترويج له والقائم على الحكومة التكنو - سياسية التي يحول دون السير بها عدم التفاهم على الشق السياسي منها لجهة «أوزان» مَن سيمثّلون الأحزاب المُشارِكة في ظل تَمَسُك الحريري بعدم توزير باسيل ناهيك عن رفْض الشارع أصلاً ومبدئياً لهذه الصيغة (كما لتوزير رئيس «التيار الحر») وإصراره على حكومة مستقلّين بعيداً من أي محاصصة.
وفي حين كانت الأجواء التي سبقت لقاء الحريري - باسيل تشير إلى أن رئيس الحكومة المستقيل «لن يستجدي التكليف من أحد وينأى بنفسه عن بازار المساومات»، الأمر الذي عَكَس ثباته على شروطه ورفْضه تشكيل «حكومة الآخَرين» أو تحميله «أثقالاً» سياسية ثبت في «النسخة الأولى»من التسوية (أوصلت عون إلى القصر الجمهوري وأعادته هو الى السرايا) عدم «قابليتها للحياة»، لم تستبعد المصادر المطلعة «سيناريو» يقوم على تسهيل تحالف عون -«حزب الله» تكليف زعيم «تيار المستقبل» بحيث يصطدم الحريري في مسار التأليف بالتعقيدات القائمة حالياً، ولكن بما يجعله هذه المَرّة «وجهاً لوجه» أمام الانتفاضة التي بحال رفضت تسميته يُخشى أن يتسبّب ذلك بـ «تطييف» الثورة وإحداث «ثقب» فيها انطلاقاً من مشاركة مناطق مؤيّدة لـ«المستقبل»في الحِراك، أو أقله تحميله مسؤولية الفشل في الوصول إلى صيغة حكومية عوض أن تبقى «كرة النار»في ملعب فريق رئيس الجمهورية.
ولكن مصادر أخرى ترى أن مثل هذا السيناريو دونه صعوبة انزلاق الحريري نحو مثل هذا «الفخ»، وسهولة الخروج منه بالاعتذار عندما يلمس وجود هذا المنحى المتعمّد، ناهيك عن اعتبارات «حزب الله»في مقاربة مجمل هذا الملف في ظل ربْطه من إيران بمخطط «إضعاف جبهة المقاومة في المنطقة»، متسائلة إذا كان ثمة مَن يراهن في الداخل على «التوترات» التي بدأت تتصاعد أمس عند نقاط قطْع الطرق بين مواطنين يريدون المرور وبين الثوار بما يمهّد لانتزاعٍ نهائي لورقة الضغط الكبرى من يد الانتفاضة (قطع الطرق) ولترويضها وإنهاكها بالإشكالات «بين شارع وشارع».
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك