لم يتّضح الخيْط الأبيض من الأَسْود في مسار المأزق الوطني الكبير الذي يستوطن لبنان. فرغم دخول الثورة أسبوعَها الرابع غداً، ما زالت السلطة تُعانِدُ مطالِب تشكيل حكومة حيادية من اختصاصيين تكبح جماحَ الانهيار المالي - الاقتصادي وتتولى التحضير لانتخاباتٍ نيابية مبكرة.
وفيما نجحتْ الانتفاضةُ العابرة للطوائف والمناطق قبل تسعة أيام في إسقاط الحكومة عبر دفْع رئيسها سعد الحريري للاستقالة، فإن السلطةَ التي يُديرها تَحالُف فريق الرئيس ميشال عون و«حزب الله» ما زالت أسيرةَ الإحجام عن أي خطوة من شأنها كسْر المأزق في رهانٍ على أن الحِراك «حَدَثٌ ويمرّ».
ولم يكن أدلّ على ممانعة السلطة ملاقاة الثورة ومَطالبها من «شيْطنتها» وتخوينها تارةً ومحاولة تدجينها وانتزاع وسائل الضغط منها تارة أخرى، في ما بدا بحسب أوساط سياسية هروباً إلى الأمام «إذ بدَل أن تتم الدعوة إلى الاستشارات النيابية المُلْزمة لتسمية الرئيس المكلف تشكيل الحكومة الجديدة، زُج بالجيش أمس في عملية فتح الطرق عنوةً».
ولم يشح فتح الجيشُ اللبناني للطرق الرئيسية لنزْع فتائل احتكاكاتٍ بين المواطنين، الأنظارَ عن الصراع الدائر بين أهل السلطة أنفسهم حيال المَخارج الأكثر قابلية لاستيلاد حكومة جديدة يريدها هؤلاء نسخة منقّحة عن التشكيلة التي استقالت، وبين السلطة والانتفاضة التي عاودت أمس الردّ في الساحات على «المناورات السياسية» ملوّحة بـ «نَمَط» جديد ومتدرّج من الاحتجاج أمام مقرات رسمية و«أهداف» منتقاة ترمز إلى «مزاريب الهدر والفساد» وصولاً إلى «ورقة» العصيان المدني.
وإذ وُضع تعطيلُ السلطة (ولو موقتاً) ورقةَ قطْع الطرق في دائرة المعاينةِ اللصيقة وسط رصْد لِما إذا كان هذا «القرار الكبير» سيجعلها تحاول فتْح الطريق أمام حلٍّ «بشروطها» للأزمةِ الحكومية وهو ما سيعني المزيدَ من الاستقطاب مع الثورة «المتحفّزة» رغم كل الضغوط، فإنّ ما عزز هذه الخشية المناخاتُ غير المشجّعة التي رَشَحَتْ عن لقاء الأربع ساعات بين الحريري ورئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل أول من أمس والتي عَكَستْ صعوبةَ التوفيق بين نقطتين محوريتين: الأولى إصرار رئيس الوزراء المستقيل على استبعاد أسماء مُسْتَفِزّة (أبرزها باسيل) عن أي حكومةٍ جديدة.
والثانية «فيتو» التيار الحر و»حزب الله» على حكومة التكنوقراط التي تُنْهي «المفاعيل الاقليمية» لإمساك الحزب بالأكثرية البرلمانية في لحظة بالغة الدقة في المنطقة.
أما السيناريو التسْووي الذي سعى أطراف السلطة لتدوير زواياه والقائم على تشكيلة «تكنو سياسية»، فبقي دونه تَمَسُّك الحريري بمعيار تحييد الأسماء المستفزة وعدم ظهور أي إشارات من الانتفاضة تشي بإمكان قبول مثل هذه الصيغة التي لم يعد خافياً أن بلوغ تَفاهُمٍ حولها بين الحريري وباسيل سيعني إرساء تسوية سياسية جديدة (بعد تسوية 2016 التي أتاحت انتخاب عون رئيساً وعودة الحريري الى السرايا) بقواعد تشكل خريطة طريق للنصف الثاني من ولاية عون وربما لتحقيق باسيل طموحَه الرئاسي.
وفيما أبقى عون على «مفتاح» الدعوة للاستشارات النيابية لتكليف رئيس الحكومة الجديدة في جيْبه تحت عنوان التفاهمِ بالتوازي على التكليف والتأليف، لم تبرز إشاراتُ تَراجُع عن معادلاتِ «لا حكومة من دون باسيل» و«لا عودة للحريري إلى رئاسة الوزراء بلا باسيل» و«لا حكومة من دون حزب الله»، الأمر الذي يطرح علامات استفهام حول المَخْرج الممكن للمأزق الذي تبرز مخاوف من أن يخرج عن السيطرة بأي سوء تقدير أو «بقرار كبير» بنقْل الواقع اللبناني إلى مستوى من التوترات المفتوحة على «حلبات الصراع اللاهب» في المنطقة.
وغداة لقاء كسْر الجليد واستعادة مسار كل المرحلة التي سبقت انفجار التظاهرات وآفاق المخارج المحتملة بين الحريري وباسيل، كان لافتاً ما نُقل أمس عن زوار القصر الجمهوري من أن رئيس الحكومة المستقيلة ورئيس «التيار الحر» ما زالا «في حاجة إلى المزيد من المشاورات مع القيادات السياسية والحزبية ورؤساء الكتل النيابية وأن لقاءهما تركّز على شكل الحكومة المقبلة الذي ما زال موضع خلاف، وسط إشاراتٍ لم يُعرف إذا كانت في إطار رفْع سقف التفاوض حول أن باسيل يرفض الحكومة التكنو- سياسية».
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك