يبدو أنّ الثقة مفقودة بين السلطة والشعب. فالسلطة لا تزال تسعى إلى تشكيل حكومة تكنو سياسية، وتعمل على تدوير الزوايا، فيما الشعب يطالب بحكومة تكنوقراط لا علاقة للسياسة فيها، لإنقاذ لبنان من الوضع الاقتصادي الخطير الذي يمرّ فيه. مطالب الشعب الثائر لاقت آذاناً صاغية من رئيس الوزراء المستقيل سعد الحريري وحزبي «القوات اللبنانية» و«الكتائب اللبنانية».
«التكنوقراط» كلمة تعني مذهباً سياسياً يمنح أهل العلم والاختصاص «التكنوقراطيين» نفوذاً سائداً على حساب الحياة السياسية نفسها، ويفترض بوزراء التكنوقراط وضع مصلحة البلاد فوق مصلحة أي من الجهات السياسية أو المناطقية أو العرقية.
لذلك تقول اوساط وزارية مؤيّدة لحكومة التكنوقراط، إنّ «حزب الله» «يخشى مثل هذه الحكومات، فهو يشترط حكومة تكنو سياسية لاعتبارات من طبيعة استراتيجية لها علاقة بسلاحه ودوره. ويعتبر انّ حكومة تكنوقراط تستهدفه بالشخصي من أجل إبعاده عن الحكومة تلبية لأجندة خارجية».
وبالفعل، يروّج «الحزب» في إعلامه لحكومة تكنو سياسية ويكبّر الصورة حول مخاطر حكومة تكنوقراط، معتبراً أنّها أجندة اميركية تحرّض الحراك الشعبي في هذا الاتجاه مع أحزاب ركبت موجة استهداف المقاومة وإخراجها من الحكومة. وتوضح الاوساط الوزارية، «اولاً مشاركة الحزب في الحكومة تشكّل غطاءً لسلاحه، وهو يأخذ شرعيته من البيانات الوزارية التي يحمّلها دائماً بنوداً تقرّ بواجب المقاومة، بصرف النظر عن صياغة هذه البيانات.
ثانياً، يشكّل الوجود المباشر لـ«الحزب» في الحكومة مظلة رسمية شرعية في مواجهة العقوبات الاميركية والخليجية. ويخشى إن بقي خارج الحكومة أن يفقد هذه المظلة، وبالتالي يصبح من السهل تطويقه وضربه ونزع أي شرعية منه».
أما الشق المتعلّق برفض رئيس «التيار الوطني الحر» حكومة تكنوقراط، فتلفت الأوساط الوزارية، الى أنّ هدفه سلطوي، وهو يسعى إلى توسيع نفوذه وسيطرته ومصدر الخدمات، ولا سيما بعد انتفاضة 17 تشرين الأول، إذ أصبح أمام مأزق شعبي، وبالتالي هو يحتاج إلى تعزيز حضوره في الحكومة وليس العكس، وحكومة تكنوقراط لا بدّ من أن تُفقده القدرة على توسيع دائرة نفوذه واستقطاب الناس الذين يطلبون الخدمات التي لا تُلبّى الّا من خلال وزارات تابعة له».
من جهة أخرى، تتمسّك «القوات اللبنانية» بحكومة تكنوقراط، وترى انّ موقفها ينسجم مع الوضع السياسي والاقتصادي الحالي، لافتة إلى انّ رئيسها سمير جعجع كان سبّاقاً في المطالبة بمثل هذه الحكومة على طاولة الحوار في بعبدا وقبل اندلاع ثورة 17 تشرين الأول، وانطلاقاً من تقييم «القوات» للأزمة.
وتقول «القوات»: «على الرغم من وجود أزمات سياسية قائمة في البلد، إلّا أنّ التحدّي الأساسي اليوم هو تحدٍ مالي اقتصادي. إذ نحن نقف على شفير انهيار تام وشامل، بل نحن في صلب الانهيار وفي أمسّ الحاجة إلى حكومة تشبه الوضع لإنقاذ ما يمكن انقاذه».
وتؤكّد «القوات» أنّها لا تروّج لمثل هذه الحكومة انطلاقاً من خلفية سياسية ولإخراج أي طرف. فالهدف الأساسي هو انقاذ الوضع الاقتصادي والمعيشي، ثم يمكننا العودة إلى حكومة سياسية. نحن أساساً فريق سياسي، ولدينا 15 نائباً وحضورنا سياسي، ونرى أنّ الاصلاح الحقيقي والتغيير يكونان من خلال المؤسسات. لكن المرحلة التي نمرّ فيها خطيرة جداً، بل هي مرحلة استثنائية تتطلب حكومة توحي الثقة للناس وللمستثمر وللخارج، وتقودنا إلى شاطئ الأمان، وبعدها يمكننا العودة إلى يومياتنا السياسية».
وعن عجز الحكومة التكنوسياسية من اجتراح الحلول، تقول «القوات»: «لا تملك الحكومات التي تتمثل بوجوه سياسية الأدوات اللازمة للخروج من الأزمة، نحن في حاجة إلى علاجات بنيوية جذرية لا أحد يمكنه القيام بها سوى حكومة اختصاصيين، تنأى بنفسها عن السياسيين وتصبّ جهودها على حلّ الأمور الاقتصادية والمالية من أجل إخراج لبنان من أزمته. وقد جاءت انتفاضة المواطنين لتقول أيضاً إنّها تريد حكومة خالية من السياسيين. ونحن جدّيون في هذه المسألة ومؤمنون بما يطالب به الناس، أي حكومة توحي الثقة وتمتص النقمة».
وتختم مصادر «القوات»: «نحن مختلفون بكل شيء في السياسة، بدءاً بإشكالية العلاقة مع النظام السوري وصولاً إلى سلاح «حزب الله» وما بينهما. فماذا سيفيدنا ذلك اذا انهار البلد؟ علينا وضع صراعاتنا السياسية وتبايناتنا جانباً ونتواضع قليلاً لإنقاذ البلد، ولا أحد يستطيع فعل ذلك سوى حكومة تكنوقراط، وإلّا سنكون أمام كارثة كبرى بدأت تلوح معالمها على واقعنا اليومي».
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك