كان من المفترض ان يجتمع مجلس النواب غدا في جلسة مخصصة اولا لتجديد البرلمان طاقمه الداخلي لناحية اعضاء اللجان ورؤسائها، ومن ثم، للتشريع حيث توضع على مشرحته مراسيم ومشاريع قوانين، أبرزها مرتبط بمكافحة الفساد والجرائم المالية، وضمان الشيخوخة، إضافة إلى إقتراح قانون مُعجّل مُكرّر مُرتبط بالعفو العام. هذه القوانين أصر رئيس مجلس النواب نبيه بري على وضعها على جدول اعمال الجلسة على اعتبار انها تلاقي مطالب المنتفضين في الشارع منذ 17 تشرين الماضي، وقد اعتبر انها قد تساعد في تنفيس غضبهم خاصة وانها تذهب في اتجاه مواجهة الفساد من جهة، وتُظهر للثوار ان الدولة في صدد العمل الجدي لتؤمن لهم جزءا من الحقوق التي يطالبون بها، من جهة ثانية.
غير ان الرياح ذهبت عكس ما تشتهي سفن اهل السلطة. ففي ظل فقدان الثقة بهم وبقدرتهم على التغيير انطلاقا من التجربة السابقة معهم، أتت محاولة تمرير قوانين "مفخخة" لتعمّق اكثر الهوة بين الطرفين. فقد تبين ان مشروع قانون العفو العام، وفق ما اكد تجمع المهنيات والمهنيين والمفكرة القانونية في مؤتمر صحافي مشترك، اليوم قد يتسبب بإنهيار على صعيد النظام القانوني مشابه للإنهيار المالي الذي نشهده. وقال المدير التنفيذي لـ"المفكرة القانونية" نزار صاغية، إنّ قانون العفو العام، يعمل بذريعة رفع المظلوميات وتحت غطائها على إعفاء جرائم كثيرة ارتكبها مسؤولون. ومن هذه الجرائم التي شملها القانون: جرائم مالية، وتلويث الأنهار، وتفجير الجبال (الكسارات) والتهرب الضريبي، والجرائم العسكرية، والاعتداء على الأمن الداخلي، والتعدي على الحقوق المدنية. تابع صاغية "نحن ضدّه لأنّه جاء في سياق عام جداً ولا يعالج الفئات المطلوبة. ليس المحكومون فقط هم المظلومين، بل أيضاً الضحايا ممن ينتظرون العدالة وتكريس استقلالية القضاء". وأضاف أنّ قانون العفو يفترض أن يأتي في إطار إصلاح عام شامل، بدلاً من تكريس الدور نفسه تحت غطاء المظلوميات وهو ما يضرب النظام القانوني ويكرس الثورة المضادة للمسؤولين... وبعد ان فاحت رائحة هذا البند الملغوم الذي ادرج في الورقة الاصلاحية التي اقرت في مجلس الوزراء في اعقاب اندلاع الانتفاضة بإجماع الفرقاء الحاضرين، سارع هؤلاء الى نفض يديهم منه. اما الشارع، فصعّد تحركه وكثّفت القطاعات كلّها دعواتها الى الاضراب العام والشامل الثلثاء فيما اعد الثوار خططا لقطع الطرق لمنع النواب من الوصول الى ساحة النجمة لتمرير المشاريع المشبوهة. وامام هذا الواقع، لم يكن من رئيس المجلس الا ان أعلن ارجاء جلسة الغد الى الثلثاء المقبل في 19 منه لدواع أمنية، مع الابقاء على جدول الاعمال نفسه.
ما حصل، وفق مصادر سياسية مراقبة لـ"المركزية" يشكل انتصارا جديدا للثوار، ويؤكد ان هؤلاء واعون تماما لما يفعله السياسيون وان زمن تمريرهم مشاريع وقوانين مشبوهة، انتهى وولى الى غير رجعة. فهل تتعظ السلطة وتسلّم بأن الاداء السابق، ما عاد يمر بعد 17 تشرين؟ ام تستمر بالمكابرة وبمحاولة التذاكي والتحايل لحماية نفسها ومصالحها مما يمكن ان يحمله قابلُ الايام؟ الاكيد ان عيون الثوار عليها وهم سيتصدّون بما اوتوا من وسائل، لها ولممارساتها. وبالتالي فان الطريق الاقصر للخروج من التخبط، تشكيل حكومة تكنوقراط مستقلة، انتخابات مبكرة، استرداد الاموال المنهوبة. اما تفعيل التشريع واي عناوين اخرى تغري الثوار، فلن ترضيهم ولن تساهم الا في تضييع مزيد من الوقت وفي جر لبنان الى الهاوية الاقتصادية والمالية.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك