بدا في الساعات القليلة الماضية، ان اتفاقا سياسيا نضج بين القوى المعنية بلعبة التكليف والتأليف، في شأن الحكومة العتيدة. فقد أفيد ان الاجتماع الذي ضم مساء امس كلا من الرئيس سعد الحريري الى المعاون السياسي للامين العام لحزب الله الحاج حسين خليل والوزير علي حسن خليل في بيت الوسط ولم يكن التيار الوطني الحر بعيدا منه، انتهى الى شبه تفاهم على اسم محمد الصفدي لتشكيل الحكومة العتيدة على ان تحصل الاستشارات النيابية الاثنين على أبعد تقدير، لتكليفه رسميا.
المعلومات التي عممتها اوساط بيت الوسط ذهبت في هذا الاتجاه، اذ لفتت الى "أن تسمية الصفدي خطوة لتأكيد ضرورة الإسراع في الاستشارات النيابية. وأوضحت "أن الرئيس الحريري وضع مجموعة أسماء لاختيار أحدها لتشكيل الحكومة منها نواف سلام وسمير حمود ووليد علم الدين وعصام بكداشي بالإضافة الى تمام سلام ومحمد الصفدي الذي وقع الاختيار عليه من قبل الأحزاب الأخرى". وأكدت المصادر أن تيار المستقبل لن يُمثّل في الحكومة بشكل مباشر ولكنّ الحريري لن يتهرّب من مسؤوليّاته وسيمنح الحكومة الثقة. وقالت "الحريري يريد الانتقال الى حكومة تعمل من أجل البلد وإنهاء مرحلة تصريف الأعمال سريعاً".
في قراءة للمستجدات، تقول مصادر سياسية مراقبة لـ"المركزية" ان الرئيس الحريري يبدو بالموقف الذي اتخذه، يرمي كرة الحكومة، مرّة نهائية، في ملعب "الفريق الآخر" المصر على "تكنو-سياسية"، ويبلغ الاخير والرأي العام اللبناني عموما، انه ليس "عقبة" امام عملية التشكيل، وانه لم يعد مسؤولا عن اي دقيقة تأخير اضافية في ولادة الحكومة. في الموازاة، من غير المعروف بعد المصير الذي سيلقاه تبنّي "الثلاثي" التيار-امل-حزب الله ترشيحَ "الصفدي". الضبابية هذه مردها أولا، الى ان باسيل يبدو متحمساً للصفدي، اكثر من الثنائي الشيعي الذي لا يزال يحاول اعادة الحريري الى السراي. اما مسبّبها الثاني، فهو موقف الشارع الثائر منذ 17 تشرين، الذي سارع الى اعلان رفضه تكليف الصفدي بسلسلة تحركات احتجاجية قام بها في بيروت وطرابلس، فور شيوع انباء الاتفاق على تسميته مساء امس. فكيف سيكون رد فعل الثوار اذا تم السير باسمه رغم اعتراضهم، خاصة اذا كان في صدد تأليف حكومة تضم احزابا وشخصيات يعتبرونها نافرة، بعد ان بُحّت حناجرهم وهم يطالبون منذ شهر بحكومة تكنوقراط مستقلين؟
أما العامل الثالث، فيتمثل في موقف الصفدي نفسه. فمقربون من الرجل اوضحوا اليوم ان الاخير، فيما لو تمت تسميته استنادا الى الاستشارات، فإنه سيضع في رأس قائمة اولوياته تشكيل حكومة تلبي تطلعات ومطالب الشعب، مصدر كل السلطات، تكون قادرة على مواجهة التحديات الضخمة الملقاة على عاتقها وتأخذ في الاعتبار هواجس اللبنانيين... فهل اتفق مسبقا مع التيار الوطني والثنائي الشيعي على طبيعة الحكومة العتيدة وصيغتها؟ ام ان شروطه قد تثبّط من جديد، في الايام القليلة المقبلة، اندفاعة هذه القوى، نحو دعمه؟
الأجواء على هذه الضفة، تبدو الى حد بعيد، شبيهة بالاجواء التي تلف لبنان اليوم، تشرينية ورمادية ومتقلبة. واذ تشير الى ان معالم الصورة لا بد ان تتضح في الساعات المقبلة، تقول المصادر انها لا ترى بعد ضوءا في نهاية النفق الحكومي، وهي ترجّح، بفعل الاسباب الآنفة الذكر، ان تدور عربة التشكيل - حتى ولو تم تكليف الصفدي- دورة كاملة حول نفسها وتعود الى نقطة الصفر. فحتى لو رضي الصفدي بتلقف كرة النار، فإن الشارع الذي بات الرقم الاصعب في المعادلة السياسية المحلية- رغم محاولات "إنكار" هذه الحقيقة- لن يسمح بحكومة لا ترتقي الى مستوى تطلعاته، الا اذا كان سيُقمع "بالقوة"...
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك