أيا كانت الصيغة التي ستنتهي اليها المشاورات الجارية لتسهيل العبور الى الاستحقاقات الدستورية التي تواكب ولادة الحكومة العتيدة، بات واضحا ان بعبدا ترغب باعطاء الرئيس سعد الحريري "الفرصة الأخيرة" للعودة الى رئاسة الحكومة، لذلك تؤخر موعد الإستشارات النيابية الملزمة الى الساعات المقبلة، علّه يحسم خياره في اتجاه هذه العودة.
وبحسب ما تقول مصادر سياسية مواكبة لـ"المركزية" فإن الفرصة الممنوحة للحريري مرتبطة الى حد بعيد بتراجعه عن اصراره على حكومة التكنوقراط وقبوله بترؤس حكومة تكنو- سياسية مختلطة كما يريدها الثنائي الشيعي والتيار الوطني الحر،لا تقل مشاركة الإختصاصيين فيها عن الثلثين ليبقى الثلث من السياسيين المخضرمين العائدين الى مقاعدهم الحكومية امثال الوزراء جبران باسيل ومحمد فنيش ووائل ابو فاعور وعلي حسن خليل، رغم خرق مثل هذا الإقتراح المطروح بقوة مبدأ الفصل بين النياية والوزارة باستثناء الحالة الخاصة التي يتمتع بها الوزير فنيش ممثل حزب الله في الحكومة والثابت في عضويتها من جانب الحزب الى اجل لا يقدّر من اليوم، وهي حالة تساوي بين فنيش والصفدي المقترح لتكليفه مهمة التأليف من دون غيرهما من العائدين الى هذه التركيبة.
وعليه ما هي الصيغة المطروحة على الحريري في شكلها ومضمونها؟
على وقع الترددات السلبية التي تركها الكشف عن التفاهم على تسمية الصفدي لتأليف الحكومة الجديدة قبل الدعوة الى الإستشارات النيابية الملزمة، وفي عز الإنتفاضة الشعبية ساد اعتقاد ان مثل هذا التفاهم ليس نهائيا طالما ان الحريري لم يعط الموافقة النهائية على مشاركته في الحكومة العتيدة، وهو ما يوحي بامكان انتقاله الى المعارضة في اي لحظة تلي تشكيل الحكومة الجديدة بشكلها المقترح او العكس.
وفي السياق، ترددت في بعض الاوساط السياسية معلومات غير اكيدة مفادها ان تواصلا تم بين اركان العهد والوزير السابق الصفدي بعيد استقالة الحريري وقبل ايام على طرح اسمه لتولي رئاسة الحكومة، من اجل الاتفاق على الخطوات المقبلة.
ولكن إقران الاقتراح بتسمية الصفدي بموافقة الثنائي الشيعي، بدّل موقف الحريري الذي لم يعترض عليه وابلغ ممثلي الثنائي الشيعي ان توافقهم يكفي لينطلق الصفدي بأكثرية نيابية تؤهله الدخول الى السرايا. وهي نسبة تفيض عن 76 نائبا وتصل الى اكثر من الثلثين، في حال استقطبت الأكثرية الجديدة مختلف حلفائها وحلفاء حلفائها. لكن الحريري لفت الى ضرورة التنبه الى موقف الحراك المنتفض على كل الطاقم السياسي وخصوصا ان الصفدي هو من بين الذين استهدفتهم الإنتفاضة في اكثر من موقع من مشروع "الزيتونة باي" الى مشاريعه على ساحل البربارة في جبيل.
لذلك، فإن الحريري ومعه عدد من مستشاريه يشككون بامكان ان يتجاوب الشارع مع مثل هذا الإقتراح - إن عبروا عن اهتمامهم بما يطالب به الحراك الشعبي- وهو ما يشكل نقطة ضعف لن تساعد الحكومة على الاقلاع بالمهام الكبيرة الملقاة على عاتقها، وربما تعطي تسميته الحراك اسبابا إضافية لرفع جهوزيته ومعنوياته وما يقود اليه من نتائج قد تنعكس على صورة لبنان ليس في الداخل فحسب انما على المستوى العالمي الذي يرصد المخالفات المرتكبة في لبنان التي تتجاوز ما تقول به القوانين الدولية التي تحمي حرية الفكر والمعتقد والتعبير ومن بينها حرية الاعتصام والتظاهر.
وعلى هذه الخلفيات، تؤكد مراجع معنية ان التفاهم على اسم الصفدي لن يكتمل قبل ان يوجه الرئيس عون الدعوة الى الاستشارات النيابية الملزمة التي تشكل بوابة العبور الأساسية الى تسميته بعد ضمان الأكثرية له توصلا الى تسهيل المرحلة المقبلة والخاصة بعملية تأليف الحكومة لتنجز في غضون 24 او 36 ساعة تلي استشاراته النيابية بعد تكليفه مهمة التأليف.
وفي اعتقاد اركان العهد ان الحكومة الجديدة يمكن ان تولد في وقت قياسي - إن اكتملت المراحل الدستورية_ ولن تكون لها اي سابقة شبيهة منذ استقلال لبنان. وبعدما استهلكت عمليات التأليف ثلث عهدي الرئيسين الياس الهراوي وميشال سليمان وثلث النصف الأول من ولاية الرئيس عون بعد الشغور الرئاسي لـ 29 شهرا، فإن نجح العهد بمثل هذه العملية التي يمكن انجازها في وقت قياسي يسجل انطلاقة جديدة في بداية النصف الثاني منه، لكن اخطر ما يمكن ان تعبر عنه مثل هذه الخطة انها تجاهلت وتجاوزت الإنتفاضة، وكأن البلد كان اسير مجموعة من قطاع الطرق والقراصنة انتهت عمليتهم او كان في إجازة اجبارية منذ 17 تشرين الأول الماضي لا اكثر ولا أقل، وكأن بامكان المسؤولين تجاهل ما افرزته هذه الإنتفاضة بقدرة قادر على كل شيء.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك