من المؤسف أن يستقبل المرء صباح اليوم الأول من الأسبوع بمقالٍ متشائم. أشعر، في هذه الأيّام، بأنّني لا أكتب مقالات بل أوراق نعي.
الأزمة التي نعيشها اليوم قد تستمرّ لفترة طويلة، ولو بأشكالٍ مختلفة. سيحتاج البلد، إن انتهت الأزمة، الى أشهرٍ على الأقل للنهوض.
يرفع المتظاهرون مطالب كثيرة ندرك جيّداً أنّ تحقيق معظمها مستحيل. المطلب الأكثر "تواضعاً" هو تشكيل حكومة تكنوقراط. لكنّ هذا الأمر بيد القوى السياسيّة الممثّلة في المجلس النيابي التي لن تمنح، حتماً، الثقة لحكومة تغيّبها، وهذا، بالمنطق، حقّ لها.
من هنا، وببساطة تامّة، سيكون السباق بين رضوخ المتظاهرين لحكومة تتمثّل بها الأحزاب، ولو بتقنيّين، وبين رضوخ الكتل والأحزاب لمطالب المتظاهرين. وهذا سباق قد يستمرّ أشهراً وأكثر، وفي حالتنا الاقتصاديّة والماليّة يعني الانهيار والفوضى الحتميّين.
إنّ هذه "الثورة"، بمطالبها الرفضيّة وسقوفها العالية، لا تملك أفقاً. هي ترفض الواقع الحالي، وهي محقّة في ذلك، ولكن عليها أن تقبل بمرحلة انتقاليّة تفصل عن انتخابات نيابيّة قادرة على إحداث تغيير في توزّع القوى، علّها تؤمّن، مع تحالفات، قوّةً برلمانيّة قادرة على التغيير وعلى فرض حكومات منتجة وغير فاسدة.
وعليها، خصوصاً، أن تضغط على القضاء لفتح ملفات الفساد من جهة ولتحصينه من التدخلات السياسيّة من جهة أخرى.
فاستمرار الوضع كما هو عليه سيؤدّي، حتماً، الى إقفال مؤسسات كثيرة وزيادة قياسيّة في نسبة البطالة كما ارتفاع قياسي في معدّل خطّ الفقر، وقد يؤدّي ذلك كلّه الى حالة فوضى أمنيّة وفلتان للشارع وارتفاع معدل الجريمة.
لا يعني ما سبق أنّ المسؤوليّة تقع على من يتظاهر في الشارع. "الثورة" سرّعت الانهيار لكنّ السلطة السياسيّة هي التي تسبّبت به. الفساد والهدر وسوء الإدارة من قبل الحكومات المتعاقبة أوصلونا الى ما نحن عليه، والأسوأ من ذلك كلّه أنّ هذه السلطة تتعامل مع الواقع الحالي بقلّة مسؤوليّة وقلّة ضمير، وتأخذ وقتها بحثاً عن حلّ بينما البلد يغرق.
باختصار، قد يكون الحلّ بحكومة تكنو سياسيّة، شرط تولّي مستقلّين بعض الحقائب فيها، خصوصاً تلك التي تحوم حولها شبهات فساد أو القادرة على الحدّ من الفساد مثل وزارات الماليّة والعدل والداخليّة. هكذا حكومة تشكّل انتصاراً للشارع المنتفض وعدم إلغاء للطبقة السياسيّة المنتخبة، للتذكير، قبل عامٍ ونصف.
أما في ظلّ استمرار "الثورة" من دون أفق، وبقاء السلطة بلا ضمير، فعلى البلد السلام...
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك