يتطوّر العملاق الصيني بسرعة كبيرة اقتصادياً، تجارياً، تكنولوجياً، سياحياً وديموغرافياً... ويمكن لأيّ زائر إلى الصين أن يلمح معالم النمو الاقتصادي لهذه الدولة التي انتقل اقتصادها خلال أقل من عقدين، من سادس أكبر اقتصاد في العالم، إلى ثاني أكبر اقتصاد، فيما تشير التقديرات إلى أنه في طريقه ليصبح الاقتصاد الأكبر عالمياً، ما يثير حذر الأميركيين والأوروبيين وقلقهم.
لا تسعى الصين إلى كبح الفقر داخلها وتحقيق معدّلات عالمية متقدّمة فحسب، بل تصبو إلى بسط نفوذها وقدراتها وانتشارها في محيطها القريب والبعيد. وقد احتفلت في أيلول الماضي بذكرى 41 عاماً على انتهاجها سياسة الإصلاح والانفتاح الهادفة إلى تحقيق التنمية في الداخل، وإرساء علاقات وثيقة مع الخارج.
طريق الحرير
على طريق الانتشار، تهدف الصين إلى موطىء قدم في الدول المحيطة، متغلغلةً في اقتصادها بوجه جذّاب وبمشاريع إنمائية تنافسية ما يثير قلق خصومها. هي لا تتحدّث بقوّة السلاح على غرار غيرها ولا تطلّ بوجه المهيمِن، إنما باستثمارات، مستهدفةً دول بحاجة إليها في آسيا وأوروبا وإفريقيا.
أضخم هذه المشاريع طريق الحرير الجديدة التي تُعرف رسمياً بـ»الحزام والطريق». تقوم هذه المبادرة الصينية على أنقاض طريق الحرير في القرن التاسع عشر بهدف ربط الصين بالعالم، لتكون أكبر مشروع بنى تحتية في تاريخ البشرية، يبسط سكك الحديد والطرق السّريعة ضمن مسارين برّي (الحزام) وبحري (الطريق) في أكثر من 68 دولة، شاملاً بذلك 65 في المئة من سكان العالم.
وتعهدت الصّين بتخصيص 126 مليار دولار لخطتها، على شكل استثمارات وقروض. والهدف إمساكها بأسواق التصدير وفتح أسواق جديدة.
يذكر أنّ بلدان المنطقة جزء لا يتجزأ من «الحزام والطريق». فأواخر العام 2017 انضمّ لبنان إلى هذه المبادرة التي اقترحها الرئيس الصيني شي جينبينغ في قازاقستان وإندونيسيا، عام 2013.
كما تتفاءل سوريا فيها حيث كشف سفيرها لدى بكين عماد مصطفى، أنّ هناك اهتماماً متزايداً من قبل الصين لمساعدة بلاده في إعادة الإعمار. وكذلك انضم العراق مؤخراً إلى هذه المبادرة.
ولم يقف الطموح الصيني على أطراف الدول الحليفة أو الغارقة في الحروب والديون، بل وجد له منافذ استراتيجية في عدّة دول وموانئ حول العالم، حتّى أنه بات للصين موطىء قدم في ميناء حيفا الاسرائيلي حيث ستبدأ في تشغيله لمدة 25 عاماً مع حلول العام 2021. هذا التعاون الاسرائيلي - الصيني يستمر متجاهلاً أصوات أميركية صارخة، وأبرزها لجنة القوات المسلّحة في مجلس الشيوخ الأميركي، التي حذّرت إسرائيل من تأجير ميناء حيفا إلى الصين.
وأفادت وسائل إعلام، أنّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أبلغ رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو في آذار الماضي، أنّ تعزيز تل أبيب علاقاتها التجارية مع بكين سيضرّ التعاون الأمني بين الولايات المتحدة واسرائيل، إذ يشكّل ميناء حيفا منذ سنوات نقطة رسو للأسطول الأميركي السادس.
وحذّر مسؤولون أميركيون إسرائيل، من أنّ واشنطن ستتوقف عن استخدام الميناء في حال تم تطبيق التعاقد مع الشركة الصينية، وستعاقب إسرائيل بهذه الخطوة.
ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ روسيا تكبّدت مشقات حرب إلى جانب النظام السوري لتتمكّن من حجز موطئ قدم لها في ميناء طرطوس الاستراتيجي، أمّا الحنكة الصينية فتدخلها إلى حيفا أكبر ميناء في الشرق الأوسط بقوة الاستثمارات.
عسكرياً
وعلى رغم ذلك فالقوة العسكرية لا تنقص بكين. تحتل الصين المرتبة الثالثة على قائمة أقوى الجيوش في العالم. هي تنافس الولايات المتحدة في المرتبة الأولى، وروسيا في المرتبة الثانية. وكشفت هذا العام عن حاملة الطائرات الصينية الثانية «تايب 001 ايه»، وهي الأولى من إنتاج صيني بشكل كامل.
وتؤكد واشنطن أنّ الصين بصدد بناء حاملة طائرات ثالثة في أسطولها البحري الحربي.
يضم الجيش الصيني مليونان و183 ألف جندي، و1222 طائرة مقاتلة، و13050 دبابة، وتصل ميزانيته إلى 224 مليار دولار، وفق Global Firepower لعام 2019، المتخصّص في تصنيف قوة الجيوش العالمية.
ومن جهة ثانية أكدت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، في تقرير موجّه للكونغرس نشرته في أيار الماضي، أنّ الصين قد تزيد من قواعدها العسكرية حول العالم لحماية مشاريعها المرتبطة ببرنامج «طرق الحرير الجديدة».
وللصين رسمياً قاعدة عسكرية خارجية وحيدة في جيبوتي، لكنها «تسعى إلى بناء قواعد إضافية في دول تملك علاقات طيبة قديمة معها، مثل باكستان، وأفغانستان وغيرها»، وفق البنتاغون.
تجارياً
ينصَبّ خوف واشنطن من التقدّم الصيني غضباً. ويتفجّر في حرب تجارية استوجبت جولات مضنية من المفاوضات بين الطرفين، منذ العام الماضي، وحالتها: «راوح مكانك». أمّا النتيجة فصراع بين أقوى اقتصادَين في العالم منذ دخول ترامب إلى البيت الأبيض.
هو قرر أن يحارب الصين الأولى تجارياً في العالم بسلاحها الاقتصادي والتجاري والتكنولوجي. فقد رفعت الولايات المتحدة في 2018 الرسوم الجمركية على ما قيمته 200 مليار دولار من البضائع المستوردة سنوياً من 10 إلى 25 في المئة، ما جعلها تدخل في تجاذب مع العملاق الآسيوي الذي ردّ بفرض رسومه على البضائع الأميركية. وتجاوز فرض الرسوم ما قيمته 360 مليار دولار من مبادلات السلع السنوية بين الطرفين.
وتعلو أصوات المتخصّصين، للتحذير من آثار هذه الحرب على نمو الاقتصاد العالمي. لكن مما لا شكّ فيه أنها أثرت على القوة الاقتصادية الصينة إذ ضربتها واشنطن على نقطة حسّاسة. فالنمو القوي للصين يعود بشكل أساس لتصدير السلع المصنّعة المنخفضة الكلفة.
وقد شهد العملاق الآسيوي تباطؤ وتيرة نمو الناتج المحلي الإجمالي بفعل هذه الحرب، فبلغ نسبة 6,2 في المئة في الفصل الثاني من عام 2019 لمدة عام، مسجلاً أدنى مستوى منذ 27 عاماً على الأقل. وذلك على رغم تدابير الدعم التي أطلقتها بكين وجهود إعادة تركيز الاقتصاد على الاستهلاك الداخلي والخدمات، بحسب تقرير للبنك الدولي في 17 أيلول 2019.
تكنولوجياً
يُذكر أنّ من بين أكثر ما يُقلق الولايات المتحدة حيال الصين حالياً، هو مشروع الرئيس الصيني «صنع في الصين 2025» الذي أعلن عنه عام 2015. ويهدف إلى زيادة القدرة التنافسية للصين في الصناعات المتطورة، وجعلها القوة التكنولوجية الرائدة في العالم.
ترمي الخطة إلى خفض اعتماد الصين على التكنولوجيا الأجنبية، من خلال تصنيع بدائل محلياً تصل إلى 40 في المئة من إجمالي وارداتها التكنولوجية بحلول عام 2020 ثم إلى 70 في المئة بحلول عام 2025، وفقاً لموقع «supchina» الأميركي.
وتعادي واشنطن هذه الخطة، معتبرة أنّ بكين تهدف إلى «سرقة» مجهودها العلمي وابتكاراتها وملكيتها الفكرية، ومن ثم البناء عليها للسيطرة على القطاع التكنولوجي وإزاحتها من القمة.
في حين امتد الخلاف التجاري - التكنولوجي ليطال المجموعة الصينية العملاقة للاتصالات «هواوي»، إذ وضعتها الإدارة الأميركية على لائحتها السوداء لأسباب أمنية. فأصبحت ثاني أكبر شركة لصناعة الهواتف الذكية في العالم رهينة تداعيات النزاع التجاري بين واشنطن وبكين، الذي يتحوّل تدريجاً إلى «حرب تكنولوجية باردة».
وقد طرحت «هواوي» في أيلول الماضي أحدث هواتفها الذكية، خالياً من تطبيقات «غوغل» بسبب العقوبات الأميركية، بينما أصبح محظوراً على الشركات الأميركية التعامل مع الشركة الصينية التي يشتبه ترامب وإدارته بأنها تتجسّس لحساب بكين. وتتوقّع «هواوي» أن يكلفها هذا الحظر الأميركي عشرة مليارات دولار.
سياحياً
توقّع تقرير لشركة «Euromonitor International» أن تصبح الصين الوجهة السياحية الأولى في العالم، متفوقةً على فرنسا بحلول عام 2030. هذا التقرير نشرته صحيفة «الغارديان» البريطانية، ويعزو الزيادة في عدد السياح إلى النمو الاقتصادي، وأيضاً الى اتّباع الحكومة الصينية تسهيلات في الحصول على تأشيرات سياحية.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك