إرتجال و"شريعة غاب". هذا هو التوصيف الذي يُمكن إطلاقه بالفعل، على كلّ ما يحصل في لبنان. ورغم أن هذا الواقع ليس جديداً تماماً، إلا أن ثورة 17 تشرين الأول، تجعل بعض الفاسدين والمُفسدين، وبعض من يُمكنهم أن يتحمّلوا مسؤولية تردّي الأوضاع المعيشية تراكمياً، يُمعنون في خرق القوانين في شكل إضافي.
والمثال الأبرز على هذا الواقع يظهر في ما يحصل على مستوى القطاع المصرفي عموماً، الذي بات يخضع لمجموعة من "الإضافات" و"الإرتجالات" غير القانونية تماماً، تحت ستار الأوضاع الإستثنائية التي يمرّ بها البلد، فيما الواقع يُظهر أن المودعين وأموالهم باتوا عملياً سجناء لدى تلك المصارف، وخزائنها!...
ونتوسّع لنتكلّم على ما بدأ يحصل في المؤسّسات التربوية، من دفع متقلّص للرواتب، في ما يُمكن اعتباره بمثابة "تشريعات" أو ما يُلامس "التشريعات" الجديدة، التي لا تمتّ الى القانون بصِلَة، وهي تتعارض مع العقود التي تجدّدت تلقائياً بين المدارس والأساتذة، منذ شهر تموز (كما هو الحال في كلّ سنة).
وأمام هذا الواقع، كيف يُمكننا أن نرى مستقبل الأوضاع؟ وماذا يقول القضاء الذي يبدو أنّه يتحوّل الى مجرّد رأي ووُجهة نظر، بدلاً من أن يكون محترَماً من قِبَل الجميع؟
أشار القاضي غالب غانم الى أن "الإستنسابية إذا طُبّقَت في العمل على أي ملف، هي كارثة على العمل القضائي، لأنها تقضي على دور القضاء، وعلى مصداقيته".
ولفت في حديث الى وكالة "أخبار اليوم" الى أنه "من المفترض تطبيق المبدأ المعروف منذ مئات السنين، وهو مبدأ المساواة أمام القانون، وخضوع الجميع له. أما عدم تطبيقه، فهو إخلال بأحكام الدستور وبسائر القوانين القضائية".
ورداً على سؤال حول التدابير التي تقوم بها المصارف مؤخراً، والتي تزيد خنق الشعب اللبناني معيشياً، وإذا ما كان يُمكن للقضاء أن يتحرك في هذا الإطار، أجاب غانم:"بعض الإجراءات قد تهدّد الأمان الإقتصادي للأفراد. ونذكّر هنا بأن أي إيداع في المصرف هو نوع من عقد بين مصرف وزبون (مودع). وبالتالي، فإن هذا العقد مكوَّن من طرفَيْن يتمتّعان بحقوق وواجبات بموجبه. وإذا كان المودع يتقيّد بواجباته، فعلى المصرف أيضاً أن يتقيّد بها".
وشرح:"مخالفة مضمون هذا العقد تستوجب النّظر أولاً في أسبابها. ومن دون إعطاء تبريرات لأي شيء سلبي، إلا أننا نبقى مضطرين، في هذه المرحلة الإستثنائية، أن ندخل أيضاً، ولو قليلاً، ببعض أسباب التدابير الإستثنائية. فالتدابير المصرفية تصدر عن "جمعية المصارف"، وتكون ضمن أجواء مصرف لبنان الذي يراقب المصارف. فإذا كانت هذه القرارات موقتة ومرحلية، ضمن مهلة زمنية قصيرة، يُمكن قبولها ريثما تتبلور الأوضاع الاقتصادية والمالية. ولا ضرورة لأي مواجهة قانونية بين المودعين والمصارف في تلك الحالة".
وأضاف:"إذا كان من شأن تلك التدابير أن تحافظ على أموال المودعين، وعلى الأمان الاقتصادي للمواطن، فهي مقبولة. أما إذا كانت نتيجة أخطاء وتراكمات أخطاء تتعلّق بالقطاع المصرفي، أو بميدان الرقابة على القطاع المصرفي، فعندها يُمكن الحديث عن مواجهة قانونية. فالقوانين التي تحاسب موجودة لدينا في لبنان. ولكننا نتعاطى هنا مع عقود مدنية بين مودع ومصرف، وهي عقود تجارية بالنّسبة الى المصارف، ولا نتحدّث عن جرم جزائي، وبالتالي لا مجال للقضاء لأن يقوم بالتحرّك تلقائياً".
وأوضح:"من الأفضل ترْك المرحلة الحالية الصّعبة تمرّ، ونتمنى أن تكون قصيرة. كما نشدّد على ضرورة الحفاظ على أموال المودعين، لأن عدم حصول ذلك هو الذي يؤدي الى الإنهيار المالي، والى إفلاس الأفراد والشركات. وفي تلك الحالة، يختلط "الحابل بالنابل"، ولكن رغم البلبلة يبقى دور القانون محفوظاً، لأن القوانين للتعامُل مع تلك الحالات موجودة".
وتابع:"إذا كانت التدابير تحصل نتيجة أخطاء متراكمة، أو صفقات غير مشروعة قامت بها جهات معينة، أو بسبب قيام جهات معينة بسحب أموال وإرسالها الى الخارج، بشكل غير شرعي وغير عادل، فإن ذلك يقودنا أيضاً الى المحاسبة، لأنه يخرج عن الأُطُر الإستثنائية لأزمة معيّنة، محدّدة بوقت زمني محدود".
وقال:"هنا، يتوجّب التقصّي عن أسباب ما حصل، وحول ما إذا كانت المليارات خرجت من البلد لتأمين الرفاهية لفئة معينة من المودعين، في وقت تُرِك باقي الناس من أصحاب الودائع المتوسّطة والصّغيرة بمواجهة مع المصارف. وفي تلك الحالة، يُمكننا الكلام على أخطاء كبيرة جداً، تؤدي الى ملاحقات مدنية وجزائية. ولكن أعتقد أننا لم نصل الى هذه المرحلة في لبنان".
وحول كلّ ما يحصل من تقليص للرواتب في القطاع التربوي، أكد غانم أن "الراتب المتبقي بعدما تمّ تقليصه الى النّصف، يبقى دَيْناً في ذمّة المدارس، يتوجّب عليها دفعه للأساتذة في ما بعد، ريثما تمرّ المرحلة الحالية الصّعبة".
وشدّد على أن "تقليص رواتب الأساتذة الى النّصف، أو دفع الرواتب عشوائياً لهم، في شكل مستدام، هو إخلال بالعقود الموقّعة بين إدارات المدارس والأساتذة، لا سيّما أن العام الدّراسي بدأ والعقود تجدّدت سلفاً".
وختم:"إعادة النّظر بالرواتب في شكل قانوني، يُمكنه أن يحصل للعام الدّراسي القادم، وليس للحالي".
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك