صلاحيات رئاسة الجمهورية التي قُلّصت في اتفاق الطائف، ضوابط اللعبة السياسية الداخلية لناحية الميثاقية وتأمين التوافق، نظام المحاصصة والفساد المتجذّر منذ التسعينيات والأوضاع الأمنية والإقتصادية والنزاعات الداخلية منذ 2005... إضافةً الى التسوية مع الرئيس سعد الحريري... كلّها عوامل قيّدت عمل رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، حسب مؤيّديه، وحالت دون تحقيقه الى الآن ما كان يسعى الى إنجازه خلال عهده. في المقابل، يرى البعض أنّ ما فرمل عمل عون وتحقيق الدولة الفعلية خلال ولايته الرئاسية، هو إستئثار طرفين بالقرار: "حزب الله" ورئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل.
في ظلّ التركيبة السياسية الحاكمة، يرى البعض أنّ أيّ رئيس للجمهورية لن ينجح في تحقيق ما لم يتمكّن عون من إنجازه. كذلك، لن يتمكّن أيّ رئيس من تأمين الإستقرار الأمني والحفاظ على الوحدة الوطنية مثلما فعل عون.
وفيما أنّ النصف الأوّل من عهد عون لم يكن على قدر آمال جزء كبير من اللبنانيين المُنتفض منذ 17 تشرين الأوّل الماضي، يسأل كثيرون: ماذا لو وصل رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع الى رئاسة الجمهورية في 2016 بدلاً من عون؟
تعتبر جهات عدة، أنّ جعجع أو غيره لن يتمكّن من تحقيق أيّ تغيير في ظلّ النظام القائم، فضلاً عن أنّ جعجع شارك في تسوية 2016 أيّ في المحاصصة وتقسيم المغانم.
في المقابل، يدأب «القواتيون» في التأكيد أنّ مشاركة «القوات» في التسوية وانتخابها عون ينطلقان من ظروف تلك المرحلة ومن مبادئ أساسية، بغية الشروع في عملية بناء الدولة بعد نزاع لسنوات.
ويعتبرون أنّ «القوات» ليست مسؤولة عن تغيُّر أولويات بقية أفرقاء التسوية، فيما أنّها تعمل منذ 2016 على بناء دولة حقيقية. ولو وصل جعجع الى سدّة الرئاسة لكان عنوان عهده: بناء الدولة والجمهورية القوية.
أمّا بالنسبة الى التعامل مع «حزب الله»، فتؤكّد مصادر معراب أنّ جعجع لم يكن ليفتعل حرباً داخلية، وهو مقتنع أنّ نزع سلاح «الحزب» لا يتمّ بالقوة. لكن رئيس «القوات» كان ليسعى الى تطبيق الدستور نصاً وروحاً لجهة قيام الدولة السيدة والمستقلة، ويؤكّد من خلال نهج حكمه، سيادة لبنان واستقلاله ومنع استخدامه منصّة لمواجهة أي كان، تحت أيّ عنوان، لا مواجهة إسرائيل ولا إيران ولا الولايات المتحدة الأميركية رداً على استهدافها طهران. فالدولة هي المسؤولة عن حماية حدودها وسيادتها في وجه الاعتداءات الإسرائيلية أو أيّ جهة أخرى.
ويعتبر جعجع أنّ «الحزب» جزء من السلطتين التشريعية والتنفيذية، ولا يجوز أن يكون شريكاً في القرارات السياسية والإقتصادية والخدماتية، وأن يستأثر في الوقت نفسه بقرار الحرب والسلم، الذي هو ملك الدولة فقط.
وفي هذا الإطار، تذكّر المصادر بمواقف جعجع التي يُستشفّ منها النهج الذي كان سيعتمده لو تبوّأ سدّة الرئاسة، مشيرةً إلى الرسائل الأخيرة التي وجهّها الى الرؤساء الثلاثة، محذّراً من تداعيات كلام الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله، حول أنّ الحزب سيردّ على أيّ هجوم أميركي على إيران، وأنّه جزء لا يتجزّأ من محور الممانعة.
وفي حين يعتبر كثيرون أنّ عون وباسيل يعتمدان سياسة «حزب الله» خارجياً ويغطيان أفعاله، ما أدّى الى زعزعة علاقات لبنان بعدد من الدول، وحال دون إجتماعهما بمسؤولي الدول الكبرى، يعتبر جعجع أنّ سياسة «النأي بالنفس» ثابتة أساسية، إذ إنّ لبنان أصغر من أن يدخل في نزاع المحاور.
أمّا العلاقات الخارجية، فتُبنى بالنسبة الى جعجع وفقاً للدستور وانطلاقاً من أنّ لبنان جزء لا يتجزّأ من الشرعيتين العربية والدولية، وبالتالي من الطبيعي أن تكون سياسة لبنان الخارجية محكومة بعلاقاته وصداقاته مع هذه الدول وتوثيق أفضل الروابط معها.
على صعيد الوضع الإقتصادي - المالي وإدارة الدولة ومكافحة الفساد، تعتبر مصادر معراب أنّ جعجع لو وصل إلى رئاسة الجمهورية لأعاد حكماً المشهدية التي تجسّدت عند انتخاب الشهيد بشير الجميل رئيساً، لناحية انتظام عمل الإدارة العامة.
وتشير إلى أنّ نهج «القوات» في الحُكم الذي تجسّد في عمل نوابها ووزرائها منذ 2016 الى الآن، دليل على طريقة مقاربتها وإدارتها، إذ إنّها فصلت بين تحالفاتها السياسية وبين حرصها على بناء الدولة والإدارة وتطبيق الدستور والتزام القوانين ورفض المحسوبيات والمحاصصات والولاءات والتلزيمات بالتراضي... فضلاً عن أنّ جعجع يُركّز منذ 2016 على أولوية الوضع الإقتصادي.
وتشير المصادر الى مرحلة ما بعد إنتخابات 2018، حيث اعتُبرت الحكومة الأولى في عهد عون مستقيلة، وظلّت تصرّف الأعمال لنحو 9 أشهر. وكان جعجع يُطالب في تلك المرحلة بضرورة اجتماع الحكومة على رغم أنّها حكومة تصريف أعمال، وذلك لمعالجة الملف الإقتصادي حصراً.
كذلك، تذكّر المصادر بإقتراحات جعجع حول إقرار إصلاحات جدّية وبنيوية في موازنة 2019، ودعوته الى إستقالة حكومة «الى العمل» والإتيان بحكومة تكنوقراط حيادية، في 2 أيلول الماضي.
وتؤكّد أنّ هذه الإقتراحات لو أُخذ بها لما وصل البلد الى الوضع الراهن، وأنّ كلّ هذه الخطوات تؤكّد جدّية «القوات» ببناء الدولة وتؤشّر الى ما كان سيكون عليه عهد جعجع.
أمّا الرئاسة القوية بالنسبة الى جعجع، فتكون من خلال التزام تطبيق الدستور والقوانين وعبر علاقاتها الخارجية المتوازنة والتعامل مع المواطنين بسواسية، واعتماد معيار الكفاءة والآليات في التعيينات وطريقة المقاربات بعيداً من المحاصصة.
هذه خريطة طريق ولاية جعجع الرئاسية وبناء الدولة الفاعلة والعادلة، التي تتطلّب ثقة ومؤسسات فاعلة وقضاء مستقلاً. ومن خلال إجراءات معيّنة وتأمينه الغطاء الرسمي للقضاء والمؤسسات والأجهزة كلّها، لتمكّن جعجع، حسب المصادر، من إدخال لبنان في زمن «الجمهورية القوية»، مكرّراً تجربة الرئيس الشهيد بشير الجميل، وحُكم المؤسسات الشبيه بحُكم ودولة الرئيس فؤاد شهاب.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك