لا انفراجات سياسية في أفق تشكيل الحكومة حتى الساعة، فرئيس الجمهورية العماد ميشال عون لم يحدد موعداً بعد للاستشارات النيابية الملزمة، في انتظار ما ستؤول إليه المشاورات التي يقوم بها لتجنب أي عوائق تؤخر تأليف الحكومة، وعدم الوقوع في مشكلة لاحقة إذا لم يتمكن الرئيس المكلف من تأليفها على ما تقول اوساط بعبدا. في المقابل، لا زالت الانتفاضة الشعبية مستمرة منذ أكثر من شهر، رفضاً لسياسات الحكومات المتعاقبة التي نخرت بمؤسسات الدولة وعاثت فيها فساداً ومحاصصة ومحسوبيات وطائفية أنهكت المواطنين وجردتهم من أدنى حقوق المواطن.
وسط هذه الأجواء، أطل رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي النائب السابق وليد جنبلاط لينعي العهد والطائف. فهل فعلاً "العهد انتهى في الشارع وكذلك الطائف"؟
مفوض الإعلام في "الحزب التقدمي الإشتراكي" رامي الريس أوضح لـ"المركزية" "أن عملية التأليف قبل التكليف تعتبر خرقاً للدستور. صحيح أن الدستور لم يحدد مهلة زمنية معينة لرئيس الجمهورية ليدعو لاستشارات نيابية ملزمة بنتائجها، لكن روحية الدستور تفرض عليه، فور استقالة الحكومة، الدعوة إلى استشارات نيابية ليصار إلى تكليف شخصية تهتم بملف تأليف الحكومة وتتعاون مع رئيس الجمهورية في عملية التشكيل، لا أن يتم تحديد طبيعة وحجم وهوية الحكومة قبل الدعوة للاستشارات. هذا عدا كونه يعتبر تجاوزاً للدستور، وتعدياً على الصلاحيات. رئيس الجمهورية توسع هنا في ممارسة صلاحياته بما يخالف الدستور وذهب للنقاش مع الكتل النيابية في عملية التأليف قبل التكليف، وهذه سابقة تسجّل للمرة الأولى بعد اتفاق الطائف، بأن يقود رئيس الجمهورية عملية المشاورات حول تأليف الحكومة في حين يقع في صلب صلاحيات ومهام الرئيس المكلف بالتعاون مع رئيس الجمهورية وليس العكس، لذلك ندعو رئيس الجمهورية للاسراع في تعيين موعد لإجراء الاستشارات النيابية الملزمة وعندئذ يتعاون مع الرئيس المكلف الذي يقود أوسع عملية مشاورات مع الكتل النيابية لتشكيل حكومة جديدة بأسرع وقت".
وأضاف: "الطائف تعرّض ويتعرّض إلى مزيد من الانتهاكات، عدا عن أن العديد من بنوده لم تطبق وفي طليعتها إلغاء الطائفية السياسية وهو أحد الشعارات التي ترفعها الثورة ونأمل أن نستطيع النفاذ نحو تطبيقها كي نخرج من قمقم الطائفية الذي اصبحنا سجناء فيه كلبنانيين، وهناك حاجة ملحة لقيام نظام سياسي على قاعدة المساواة بين المواطنين، وما افتخار تكتل لبنان القو بتعديل اتفاق الطائف بالممارسة كما يقول أعضاؤه، إلا انتهاك للدستور لأن الطائف أصبح دستور لبنان، منذ العام 1990، وبالتالي هؤلاء النواب الذين يفاخرون بتعديل اتفاق الطائف بالممارسة، عملياً يفاخرون بأنهم ينتهكون الدستور ويخالفون قواعد".
وعما إذا كنا بحاجة إلى إتفاق دوحة جديد؟ قال: "الظروف الدولية والاقليمية والداخلية مغايرة تماما لمرحلة 2008 وربما قبل التفكير بالذهاب نحو إتفاق جديد بمعزل عن تسميته، ربما نفعل تطبيق الاتفاق القائم خصوصاً أن المطالب الشعبية تجاوزت مسألة الطائفية السياسية وهذا تقدم كبير، يفترض بكل مكونات المجتمع السياسي اللبناني أن تتلقفه ايجاباً كي نذهب من خلاله نحو حقبة جديدة. والدستور ينص على آليات معينة للذهاب في هذا الاتجاه، كإنشاء الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية وتشكيل مجلس الشيوخ حيث تتمثل الطوائف، وإجراء الانتخابات النيابية على أساس لاطائفي، وبالتالي هناك خطوات محددة ممكن القيام بها ولكن المهم توفر الإرادة السياسية لذلك، ولكن للأسف واضح ان هذا الأمر ليس قائماً حتى اللحظة".
وعن الإصلاحات داخل الحزب التي تحدث عنها جنبلاط، أوضح الريس "أن الحزب التقدمي الإشتراكي من الأحزاب القليلة التي مارست وتمارس النقد الذاتي في كل حقبة من الحقبات حتى أننا في بعض الأحيان كان هناك نقاش داخل الحزب بأن القيادة كانت تبالغ في "جلد الذات" إذا صح التعبير، ولكن هناك كتاب مهم لكمال جنبلاط وضعه في مرحلة معينة عنوانه "في الممارسة السياسية" الذي يدعو كل الأحزاب السياسية للقيام بعملية نقد ذاتي دورية لكي تستطيع أن تواكب التغيرات. اليوم، أي حزب سياسي لا يعترف أن ما حصل بعد إنطلاق الثورة يتجاوز الاطر الحزبية التقليدية يكون يجافي الواقع. نحن ندرك هذه الحقيقة ونتعاطى مع التطورات السياسية بكثير من الواقعية، وندرك بأن هناك حاجة لبناء خطاب سياسي جديد يحاكي الطموحات المشروعة التي عبّرت عنها الثورة ويولّد الأطر التنظيمية الملائمة لمواكبة هذا الخطاب الجديد، لذلك أعلن مراراً رئيس الحزب وليد جنبلاط عن النية لإطلاق اوسع عملية إصلاحية وتنظيمية وورشة فكرية وعملية داخل الحزب لمواكبة المرحلة الجديدة ولبناء خطاب سياسي جديد يواكب التحولات الكبيرة التي عاشها لبنان بعد الثورة".
وختم: "المطلوب من الأحزاب السياسية كافة أن تبادر في هذا الاتجاه لأن إدارة الظهر لما جرى في 17 تشرين الأول هو كدفن الرأس في الرمال بالنسبة للاحزاب، أيضاً هناك مسؤولية على الأحزاب السياسية أن تعيد بناء صورتها لكي تحظى مجدداً بثقة الجماهير ومكونات الشعب اللبناني بما يتيح لها أن تستعيد دورها كرافعة للعمل الوطني والديمقراطي. إن التشوّه الذي أصاب صورة الأحزاب في الفترة الأخيرة يجب ألا يثنيها عن القيام بدورها كي تستعيد موقعها الطبيعي في أي نظام ديمقراطي".
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك