"اللي ما عنده ضمان.. بيتبَهْدَل". هذه العبارة هي كلمة السر التي يرددها جمعٌ كبير من اللبنانيين، الذين يُطمئنون أنفسهم بها في ظل أوضاع اجتماعية واقتصادية تشد رحالها نحو الوراء. فالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي يُساهم في حماية المنتسبين إليه، ممن ينطبق عليهم قانون العمل. وإن كان الضمان لا يغطي كل اللبنانيين، إلاّ أن اختلاف نظام الجهات الضامنة وسياسات أهل السلطة، هي المسؤولة. والضمانة التي يؤمّنها الضمان الاجتماعي ما زالت تعاني من إهمال الدولة، بدءاً من عدم دفع ما يتوجب عليها للضمان برغم نص قانون الموازنة العامة للعام 2019 على البدء بدفع المستحقات.
المعاملة بالمثل
تظن السلطة السياسية أن منطق حل الأزمات عن طريق التخدير، يصح في كل الأزمنة. إذ تُسقِط السلطة من حساباتها متغيراً أساسياً وهو التراكم. فتراكم الأزمات المتسارعة يعطي مناعة ضد كل سياسات التخدير ويشكّل حافزاً للمطالبة بالتغيير، وهذا ما تعبّر عنه التظاهرات التي انطلقت في 17 تشرين الأول، وامتدت من الشارع إلى المؤسسات الرسمية على مختلف أنماط علاقاتها بالدولة، مروراً بالقطاعات الانتاجية.. وغير ذلك.
ما سمح لـ"دومينو" الاعتراض بالتهاوي هو الاستنسابية التي تتعاطى بها الدولة مع الجهات التي تقرر دعمها، عبر تسهيل عملها بطرق شتّى، أهمّها دفع الاعتمادات والسلفات المالية، وهذا ما يطلبه الضمان الاجتماعي الذي لديه في جعبة الدولة أكثر من 3 آلاف مليار ليرة "كان من المفترض أن تدفع منها الدولة هذا العام نحو 700 مليار ليرة"، وفق ما يؤكده لـ"المدن" المدير العام للضمان محمد كركي، الذي يشير إلى أن الدولة "دفعت للضمان 60 مليار ليرة فقط خلال 6 سنوات". ويطالب كركي بمعاملة الضمان بمثل المؤسسات والقطاعات التي تؤمّن لها الدولة اعتمادات لتسيير عملها.
لا خطورة آنية
مطالب كركي ما زالت حتى الآن صرخة لتدارك الوضع. فالضمان يستطيع اليوم ترتيب أموره وتلبية حاجات المضمونين رغم كل الصعوبات، خصوصاً في قسم المرض والأمومة الذي يعاني من العجز، ويضطر للاستلاف من باقي الأقسام، وعلى رأسها فرع نهاية الخدمة، ومع ذلك "لا خطورة آنية على فرع المرض والأمومة، لكن لا يمكننا الاستمرار على هذا النحو كثيراً".
ومع ضرورة الالتفات إلى فرع المرض والأمومة، يوضح كركي أن جوانب أخرى مضيئة داخل الضمان تستحق تسليط الضوء عليها، ومنها فرع التعويضات العائلية الذي "يحقق وفراً، وسيمتص العجز خلال سنتين". أما ما يتعلق بمستحقات المستشفيات فالضمان يحوّل "نحو 70 مليار ليرة شهرياً للمستشفيات".
في السياق، يؤكد كركي على أن "مؤسسات الضمان هي عنصر الاستقرار عندما تدخل البلاد في الأزمات، وهذا ما تشهده كل الدول. وفي لبنان، الضمان الاجتماعي هو متنفّس لكل اللبنانيين". وكونه المتنفس في ظل الأزمات، لا يسع السلطة السياسية سوى الشروع بتطبيق المادة 71 من قانون موازنة العام 2019، والتي تقر بأن على وزارة المال المباشرة، قبل انتهاء شهر أيلول 2019، بدفع الأقساط الشهرية من الديون المتوجبة للضمان الاجتماعي، مع فائدة سنوية توازي الفائدة على سندات الخزينة.
انتهى شهر أيلول 2019 وبتنا على مشارف العام 2020، المفترض به أن يحمل موازنته الخاصة، ولم تدفع الدولة أموال الضمان. وما زال أهل السلطة يستغربون خروج الناس إلى الشوارع ويطالبونهم بالحوار وتحديد مطالبهم، وكأن مطالبهم ولدت فجأة في 17 تشرين الأول، في حين أن تطبيق ما أقرته السلطة، من دون عرض أي مطلب جديد، كافٍ لامتصاص نقمة الناس. أما تجاهل الأزمة والمساهمة في إشعال المزيد من الأزمات، وتحديداً داخل الضمان الاجتماعي، فذلك سبب إضافي لاستمرار التظاهرات. وعليه، لا بد للسلطة من إعادة حساباتها تجاه الضمان كي لا يشكل تضرر فرع المرض والأمومة شرارة لنقمة جديدة تنطلق من أبواب المستشفيات وفروع الضمان.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك