استفاقت طرابلس على صدمتها صباح أمس. «ساحة النور» التي عرفت بـ«عروس الثورة» اللبنانية، بدت شاحبة وشبه مهجورة. غالبية الباعة الذين يرابطون هنا، كانوا حتى الظهيرة لا يزالون يتقاعسون عن الحضور. بعض الخيم كسرها المخربون، ولم يبقَ منها سوى أعمدتها المعدنية. أما الصامدة على جوانب الساحة، فهجرها أصحابها إلا القليل منهم.
ليل الثلاثاء لم يكن كما قبله، تعرضت ساحة الاعتصام الأشهر، التي صمدت أربعين يوماً، من دون أي حادثة مخلة، وعرفت بانتظامها ورحابة أجوائها، لأحداث عنف وترهيب، جعلت من يرابطون هنا يشعرون بأن ثمة شيئاً تغير. يقول الشبان الجالسون في إحدى الخيم في الساحة، ويتحادثون حول ما شاهدوه، إنهم في ساعة متأخرة من ليل الثلاثاء، وكان كل شيء هادئاً، غزا الساحة عشرات الشبان على دراجات نارية، لا يعرفون وجوههم من قبل، وسادت حالة من الهرج والمرج، لم يعد بمقدورهم التمييز بين من يهاجمهم ومن يواليهم. وكانت مجموعة من المنتفضين قد أصرت على نزع علم «التيار الوطني الحر» عن مبنى حزبي قريب من الساحة واصطدمت مع الجيش؛ لكن كل هذا ترافق وحضور المجموعات الدراجة، التي قامت بأعمال شغب كبيرة؛ حيث تم تحطيم واجهات زجاجية لعدد من البنوك، وأُجهز على صرافات آلية، وأُحرقت محال تجارية، وسيارة واحدة على الأقل.
وقال الصليب الأحمر إنه نقل 7 إصابات إلى المستشفيات، بينما عالج 17 إصابة ميدانياً، بينما جاء في بيان للجيش اللبناني أنه في طرابلس، وخلال هذه الأحداث «تم إلقاء قنبلة يدوية لم تنفجر، وقنابل مولوتوف باتجاه العسكريين، ورشقهم بالحجارة، ما أدى إلى إصابة ثلاثة وثلاثين عسكرياً، كما تمت مصادرة عدد من الدراجات النارية التي تركها أصحابها ولاذوا بالفرار».
واضطر الجيش أثناء هذه المواجهات إلى استخدام الغازات المسيلة للدموع والرصاص المطاطي، كما ألقى القبض على عدد من الأشخاص.
ولم يكن غريباً رغم تخوف كثيرين من العودة إلى الساحة صباح أمس، أن يكون طلاب الجامعات أول الحاضرين إلى خيامهم. يتحدث الطلاب عن إصرارهم على البقاء. منهم من يقولون إنهم يحضرون حتى دون إعلام أهلهم الذين يظنونهم في دوامهم الدراسي. بدأ الحديث عن إجراءات تنظيمية جديدة، وعن ضرورة ترتيب الأولويات، والاتفاق على إجراءات. يقول الناس إنهم بوغتوا بقدوم مجموعة دراجة من الشارع الخلفي، وسادت فوضى، جعلت تعاونهم لصد الهجوم غير ممكن. يقولون أيضاً إن الجيش طارد المخربين حتى مسافات بعيدة في شوارع متفرعة من الساحة، وإن رقعة الاشتباك امتدت وكبرت.
وبعد ظهر أمس، تفقد اللواء محمد خير، الأمين العام للهيئة العليا للإغاثة، الأضرار والخسائر، ووعد بتعويض المتضررين، وبرفع دعوى ضد المتسببين في الأذى.
يرفض الشبان المعتصمون أن يغيروا مكان اجتماعهم طلباً للأمن. ويصرون على أنهم باقون حتى تحقيق مطالبهم.
؛ لأن الأمر يتعلق بمستقبلهم. ورغم الحذر الذي ساد الساحة خلال النهار، كانت مظاهرة جلها من النساء، قد جابت شوارع طرابلس بعد ظهر أمس، وهي تهتف للجيش، وتوزع على جنوده الورود، رافضة العنف والطائفية والعودة إلى منطق الحرب، ووصلت إلى «ساحة النور» لتدب الحياة من جديد في مكان كان قد شهد نزالاً حقيقياً.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك