عَلت صرخة المواطنين أمس مع بدء نفاد مخزون سياراتهم من البنزين، وقد تجلّى ذلك بركن عدد كبير من المواطنين لسياراتهم في وسط الطريق احتجاجاً على رفض تزويدهم بمادة البنزين. وليلاً، أعلن نقيب اصحاب محطات البنزين سامي البراكس تعليق الاضراب.
أشعلت أزمة المحروقات التي يمر بها اللبنانيون راهناً الشارع مجدداً، بحيث عمد أمس العدد الاكبر من المواطنين في غالبية المناطق اللبنانية الى اقفال الطرقات احتجاجاً على إضراب المحطات او الى ركن سياراتهم وسط الطريق بحجّة نفادها من البنزين، وسط تأكيد أصحاب محطات بيع المحروقات وأصحاب الصهاريج وموزّعي المحروقات «الاستمرار بالاضراب حتى إشعار آخر».
وهكذا فإنّ اللبناني يستفيق كل يوم على أزمة جديدة تتولّد منها أزمات. ومن البديهي انّ التوقُّف عن مَد السوق بالمحروقات والتي هي اساس الانتاج، يسرّع في القضاء على ما تبقى من مقومات الحياة في لبنان. وقد رفض اصحاب المحطات تسليم المحروقات الى المواطنين الى جانب التوقف عن مَد السوق بمادة المازوت، بما يهدد استمرارية عدد كبير من المعامل والمؤسسات والشركات بما ينعكس سلباً على الانتاج، الذي بتراجعه ستزيد نسب البطالة بشكل ملحوظ وستتعطّل أشغال بسبب تعذّر وصول المواطنين الباحثين عن لقمة عيش في ظل هذه الظروف، الى أشغالهم.
إنه السيناريو نفسه يتكرر منذ نحو شهرين، يعلن اصحاب المحطات الاضراب فيهرع المواطنون الى المحطات للتزود بالوقود، وبعد انقضاء 36 الى 48 ساعة تحل الأزمة ويعاود اصحاب المحطات العمل ويتم تزويد السوق بالمحروقات. فهل سيختلف السيناريو هذه المرة خصوصاً ان لا افق لحل هذه الأزمة الناتجة عن ارتفاع سعر الدولار مقابل الليرة؟ وهل من علاقة بين إعلان الاضراب المفتوح وفض وزارة الطاقة الاثنين المقبل المناقصة التي ستسمح للدولة باستيراد المحروقات مباشرة؟
نَفت مصادر متابعة لـ«الجمهورية» اي علاقة ما بين الاضراب المفتوح لاصحاب المحطات والمناقصة التي تعتزم فضّها وزيرة الطاقة الاثنين المقبل، وكشفت انّ الدولة اليوم تستورد المازوت لكن هل تساءل احد لماذا ليست هذه المادة في السوق؟ لأنّ الدولة تسلم كميات قليلة جدا من المازوت والى محسوبين عليها. امّا المازوت المتوفّر لدى اصحاب المحطات فقد اشتروه من الشركات المستوردة للنفط التي احتسبت السعر من الدولار لتسدد نسبة 15 في المئة المفروضة عليها في تعميم المركزي. وبالتالي، انّ تسليم مازوت الشركات الى السوق يعني خسارة 1000 ليرة في كل صفيحة. وبناء عليه أبدت المصادر خشيتها من أن يلقى مصير البنزين التي تعتزم الدولة استيراده مصير المازوت المستورد من قبلها، بحيث تقسم الحصص والتي تؤمّن 10 في المئة فقط من حاجة السوق الى المحسوبيات والمقرّبين من طرف سياسي معين.
وعن وضع الاضراب، أكد مستشار موزعي المحروقات مروان ابو علوان لـ«الجمهورية» ان لا مشاكل بين مختلف القطاعات العاملة في النفط، بل نحن موحدون، وأمامنا جدول اسعار موقع من وزارة الطاقة بالليرة اللبنانية ونحن نشدّد ومصرّون على الالتزام به. لكن خسائر اصحاب المحطات أصبحت تفوق قدرتهم على التحمّل. أضاف: «أشار التعميم الصادر عن مصرف لبنان الى انّ المركزي يؤمّن 85 في المئة من قيمة الاعتماد بالليرة اللبنانية وعلى اصحاب الشركات المستوردة للنفط ان يؤمّنوا الـ15 في المئة الباقية بالدولار. والمشكلة انّ الشركات حاولت تجيير هذا الحمل الى اصحاب المحطات، ونحن غير قادرين على تحمّل أعبائه وغير قادرين على تأمين حتى دولار واحد».
واعتبر انّ الامر الاساسي بالنسبة الينا اليوم ان نحافظ على جعالتنا والتي هي 1900 ليرة، لنستمر. علماً أنّ نحو 40 الف عائلة تعتاش من هذا القطاع. فقد مضى على تحمّلنا الخسارة 3 اشهر، واليوم لم نعد قادرين على الاستمرار أكثر.
الشارع يتحرك
بينما يستمر إضراب أصحاب المحطات وإحجامهم عن تعبئة البنزين، نفّذ أصحاب السيارات العمومية والخصوصية، وهم الاكثر تضرراً من الأزمة، اعتصاماً تحت جسر الكولا في بيروت وقطعوا الطريق في المحلة احتجاجاً على انقطاع مادة البنزين وارتفاع سعره، مما تسبّب بازدحام لافت.
وعمدت امرأة الى ترك سيارتها في وسط الطريق في منطقة المزرعة احتجاجاً على إضراب محطات المحروقات ورفض تزويدها بمادة البنزين. وعلى هامش الأزمة، تداعى مواطنون في مناطق عدة لإقفال الطرقات بواسطة سياراتهم الفارغة من البنزين تعبيراً عن السخط من الحالة المتردية التي وصلت إليها البلاد.
البراكس
من جهته، أكد نقيب أصحاب المحروقات، سامي البراكس «أنّ الدولة تضع جدول تركيب بأسعار المحروقات بالليرة اللبنانية وتريدنا أن نسير به، ونحن ملتزمون به بحيث اننا نبيع بالليرة. لذا نريد أن نشتري بالليرة، وليس بالدولار. واعتبر أنّ «كلام وزيرة الطاقة والمياه ندى بستاني ليس صحيحاً، فهي تريد ان تلزّم استيراد المحروقات لا أن تستورد، وهذا لا يحصل قبل شهر، فكيف نستمر؟». وطالب البراكس بعدم التعامل مع محطات المحروقات على أنها جهة، «فالجهة هي الدولة»، مشدداً على انه «سيستمر إضرابنا حتى يقولون لنا ما سنفعل، ولحين إيجاد حل لمشكلتنا».
أبو شقرا
بدوره، اكد ممثل موزّعي المحروقات فادي ابو شقرا انّ قطاع المحروقات مستمر في إضرابه المفتوح الى حين إيجاد حل لأزمة الدولار. وقال: إتخذنا قرارنا نتيجة الوجع الكبير، وتراجعنا مرتين عن الاضراب بناء لوعود المسؤولين التي تبيّن أنها فاشلة.
واعتبر ابو شقرا انّ قرار وزارة الطاقة استيراد البنزين في الاسبوعين المقبلين لن يحلّ المشكلة، لأنّ الكميات المستوردة لن تكفي الاستهلاك، لأنها تمثّل 10 في المئة فقط من حاجة السوق.
أصحاب المحطات
أعلنت نقابة اصحاب محطات المحروقات في لبنان انّ بعض اصحاب المحطات تلقّوا تهديدات من جهات مختلفة تدعوهم الى فتح محطاتهم قبل ان ينالوا أيّاً من حقوقهم المشروعة، كما شهدت بعض المناطق تجمعات امام البعض منها.
وقالت في بيان: انّ مطلبنا واحد وهو ان نتسلّم المشتقات النفطية بالليرة اللبنانية لتسليمها الى زبائننا بالعملة الوطنية. نحن لا نطالب بأيّ زيادة على عمولتنا المحددة في جدول تركيب الاسعار، بل بوقف خسائرنا الفادحة التي نتحمّلها منذ اكثر من 3 اشهر، والتي بلغت مؤخراً 2000 ليرة لبنانية عن كل صفيحة بنزين. وناشدت النقابة قيادة الجيش والقيادات الأمنية الأخرى أخذ مثل هذه التصرفات على محمل الجد، لعل هناك من ينوي ان يلعب لعبة «الطابور الخامس» لاقتياد البلاد الى حيث لا يريد أحد ذلك، وخصوصاً اصحاب هذه المحطات.
كما ناشدت النقابة «عموم المواطنين الذين كانت في خدمتهم في أصعب الظروف، تَفهّم مطالبهم ومشاركتهم في ما يؤرقهم ولو لفترة وجيزة. فهم جميعاً في مركب واحد، وما يصيبهم يصيب الجميع على السواء».
... رد على العمالي
وكانت نقابتا أصحاب محطات بيع المحروقات واصحاب الصهاريج ومتعهدي نقل المحروقات وموزعي المحروقات قد ردّتا في بيان، على كلام الاتحاد العمالي العام، فأشارتا الى انّ «أزمة المحروقات بدأت منذ أكثر من 6 اشهر بسبب سعر صرف الدولار وفقدانه من السوق، ويبدو انّ الاتحاد العمالي العام يؤكد في بيانه الصادر اليوم انه كان في سبات عميق». أضاف البيان: «إنّ نقابتي اصحاب محطات بيع المحروقات واصحاب الصهاريج وموزعي المحروقات يفترض بهما المحافظة على استمرارية عمل موظفيهم، والاولى بالاتحاد العمالي العام أن يكون الى جانب هذه النقابات لإنصافها وتحقيق مطالبها الشرعية».
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك