رأى رئيس المجلس التنفيذي ل"حزب الله" السيد هاشم صفي الدين أن "لبنان دخل قبل شهر ونصف في مرحلة جديدة واحتجاجات، وما رافق ذلك من نزول إلى الشوارع، ومن أحداث تابعها كل اللبنانيين، هو حدث مهم، وليس حدثا بسيطا، لأنه يتحدث عن ملفات شائكة وعميقة على مستوى الزمن، والتأثير في حياة كل اللبنانيين في حاضرهم ومستقبلهم ومستقبل أبنائهم، وبالتالي في مستقبل هذا البلد".
كلام صفي الدين جاء، خلال لقاء نظمته "التعبئة التربوية" في مركز "الإمام الخميني الثقافي" في بعلبك، في حضور رئيس المنطقة التربوية في بعلبك - الهرمل حسين عبد الساتر، رئيس اتحاد بلديات بعلبك الدكتور حمد حسن، رؤساء بلديات، مسؤول منطقة البقاع في "حزب الله" الدكتور حسين النمر، وفاعليات تربوية واجتماعية.
وقال صفي الدين: "هناك ثلاثة أسباب أدت إلى ما حصل ويحصل منذ شهر ونصف، أولها: الأداء السياسي الذي كان فيه ضعف واضح وتناقضات واضطرابات ومحاصصات، ومجموعة مشاكل كانت دائما تعرقل وتعيق حركة العمل والتقدم إلى الأمام، وحينما يصبح الخلاف السياسي كبيرا ويتراكم، يقضي على كل شيء، وهذا ما شهدناه في موازنات 2019 و 2020، وفي أوقات دقيقة وصعبة جدا يمر البلد، بينما الأداء السياسي يذهب إلى أولويات أخرى، كما أن هناك أطرافا سياسية تريد أن تحقق ما لم تحققه في الانتخابات النيابية، وهناك أطراف لديها برامج وأجندات خاصة لم تتمكن من تحقيقها، وبدل أن تتعاون لإخراج البلد من أزماته ومشاكله، حاولت أن تستغل الوضع الاقتصادي المأزوم لتصفية حسابات سياسية، وهذا له علاقة بالعقلية والطموحات السياسية، مما ساهم في تأزيم الوضع الاقتصادي والمعيشي والمالي في البلد".
أضاف: "السبب الثاني: هو الوضع الاقتصادي والمالي والنقدي، وكل اللبنانيين كانوا يسمعون منذ سنتين، بأننا قادمون على وضع اقتصادي صعب، سينعكس على كل اللبنانيين، وكانت مؤشرات الوضع الاقتصادي الصعب قد بدأت تطل في مناسبات عديدة منها موازنة 2019، من خلال الضرائب والرسوم، التي كانت ستفرض على كل السلع المستوردة، ونحن في بلد يستورد بين 85% إلى 90% من احتياجاتنا، أي كل شيء سيطاله الغلاء، ونحن واجهنا وتمكنا من منع فرض الضرائب على كل السلع المستوردة، وكانت الحجة أن الوضع النقدي والمالي أصبح صعبا، وأنه يجب تخفيض عجز الموازنة من 11.5% إلى ما يقارب 5% أو 6%"، مشيرا إلى أن "قيمة الدين العام المترتب على لبنان حوالي 90 مليار دولار، مما يرتب فوائد تقارب 6 مليارات دولار، والعجز السنوي 6 مليارات، أي أن العجز 12 مليارا قبل أن نبدأ.
ويمكن القول بشكل مختصر، إن الطريقة الاقتصادية التي اتبعها لبنان بعد الطائف انتهت، وباتت غير قادرة أن تعين لبنان حتى بالحيل والتستر ومحاولات الالتفاف على هذا العنوان أو ذاك العنوان، إنها منهجية تعتمد على الاستدانة وتحميل اللبنانيين المزيد من الأعباء في خدمة الدين، والاقتصاد هو ريعي وليس اقتصادا منتجا، هناك انتهاء لنهج اقتصادي حفر عميقا مآسي كثيرة، وأصبح لبنان من ضمن البلدان، التي أصيبت بتأثير هذه الطريقة النيوليبرالية المتطرفة، وتحول لبنان إلى طبقة فاحشة في الثراء، وطبقة فقيرة، فيما الطبقة المتوسطة بدأت تنتهي العاملين في الحقل التربوي كمثال أصبحوا من الطبقة الفقيرة بدل المتوسطة، وهذا جعل اللبنانيين يخرجون من يأس ليدخلوا في يأس جديد، من دون إيجاد حل، فكان من الطبيعي جدا أن تحتقن النفوس وتؤدي إلى انفجار، وجاء القرار العظيم من وزير الاتصالات بشأن ضريبة الوتساب لانطلاق حركة عفوية ومحقة للتعبير عن الغضب، من العجز والتقصير والقصور عن إدراك المسؤول حال الناس".
وتابع: "السبب الثالث: هو الضغط السياسي الخارجي، فلبنان يتعرض منذ سنوات لضغوطات سياسية خارجية، وهذا أمر معروف، وهناك وفود تأتي إلى لبنان أميركية أو مرتبطة تحديدا بالأميركيين وبالدفاع عن مصالح إسرائيل، وتسعى لإضعاف المقاومة وقوة المقاومة، وكل السياسيين الذين التقوا الوفود، يعلمون أن الأميركي كان حريصا على طلب أمور محددة تراعي مصلحة إسرائيل بترسيم الحدود، ويهدد لبنان بالتعرض لضغوطات كبيرة في حال الرفض، هناك بعد الدوائر يقولون إن حزب الله هو من منع الترسيم، نحن من جملة من وقفوا بوجه إيقاف ترسيم الحدود لمصلحة إسرائيل، فهل من المعقول أن نقبل بالتخلي عن حقوق لبنان النفطية خدمة لإسرائيل؟"، لافتا إلى "الضغوط السياسية في مختلف الملفات، ومنها ملف النازحين السوريين والعلاقات مع سوريا، والضغط الأميركي الذي كان يردد بأن البلد واقع تحت تأثير حزب الله، وذلك من أجل شيء واحد، هو إسرائيل، أميركا في لبنان والمنطقة مصلحتها الأولى والأساس هي إسرائيل والدفاع عن إسرائيل، ولبنان تعرض لتهديدات أميركية باستعمال كل الأوراق بوجه اللبنانيين، وطلب هؤلاء من حلفائهم وأدواتهم الضغط، واليوم لم يعد هناك فرق، الظاهر كلهم أدوات عند الأميركي الذي يضغط على السياسيين المرتبطين به، وعلى الوضع الاقتصادي والمالي، هذه الأسباب مجتمعة أوصلت البلد إلى ما وصلنا إليه".
وقال: "بعد شهر ونصف من الاحتجاجات وما رافقها من أمور بعضها كان سيئا جدا، على اللبنانيين أن ينظروا إلى الوضع اللبناني بواقعية، فلا يبيع أحد اللبنانيين أوهاما وأحلاما وخيالات، كفى دجلا وكذبا، على كل طرف سياسي أو متظاهر يحمل قضية أو وسيلة إعلامية العمل لإيجاد مخرج للحفاظ على لبنان، حتى لا يصل إلى مرحلة الانهيار التام، البلد إذا انهار ووصل إلى الحضيض، حينها سوف يندم البعض، وحينها لا ينفع الندم".
أضاف: "نحن قلنا منذ البداية بخطاب سماحة الأمين العام في يوم أربعين الإمام الحسين في البقاع، كان أول كلام وأوضح وأشجع كلام، وقد تحدث ليس لحزب وليس لفئة بل لكل اللبنانيين، قال أيها االلبنانيون حركتكم واحتجاجاتكم محقة، ولكن احذروا من التدخل الخارجي، ومن الاستغلال السياسي، واحذروا أن يصل البلد إلى الفراغ، ما يهمنا ألا يذهب لبنان إلى انهيار، وأن يبقى البلد مستقرا، والذي يمكنه أن يمنع البلد من الذهاب إلى حالة الانهيار هم اللبنانيون أنفسهم، هم الذين يجب أن يأخذوا قرارهم المرتبط بمصيرهم وبحاضرهم وبمستقبلهم"، معتبرا أن "لبنان أمام مأزق مالي واقتصادي ومعيشي، إلى أين وصلنا اليوم، انظروا للدولار في البداية كان سعر الصرف 1600 ليرة، إلى أين وصل؟ وإذا استمر هذا الفراغ سوف تخسر الليرة اللبنانية المزيد من قيمتها، منذ اليوم الأول كانت دعوتنا للحفاظ على الحكومة وتحقيق الإصلاحات من أجل لبنان ومن أجل حفظ البلد، ومن أجل ألا نصل إلى الفراغ الذي نحن فيه".
وتابع: "إذا أردتم مخرجا، لا بد من وجود حكومة وقوانين، والبنوك التي تتصرف اليوم على هواها يجب أن تخضع لقوانين، وعلى الرغم من كل ما حصل لغاية الآن من أوضاع اقتصادية صعبة وانهيارات مالية ونقدية، علينا أن نبدأ من حيث يجب أن نبدأ بالمعالجة الحقيقية والاستماع إلى صرخات الناس، اليوم ليس الوقت المناسب لتصفية الحسابات السياسية، علينا التعاون والاهتمام بالأولويات، التي تعني كل اللبنانيين".
وأردف: "أقول لكل الجهات السياسية والمتظاهرين، كلكم مسؤولون، والمسؤول في هذه اللحظة عليه أن يتقدم إلى العمل وإلى ساحة المعالجة، التي تبدأ بتشكيل الحكومة التي يجب أن تعالج، ويكون فيها أكفاء وسياسيون، حتى لا تكون حكومة ضعيفة، فأسباب المشكلة ليست تقنية أو فنية أو اختصاص محض، بل فيها جوانب سياسية وجوانب كبيرة من انعدام المسؤولية".
وختم "الحكومة التي نتطلع إليها ويجري العمل لأجلها، هي التي تستطيع أن تعالج كل الأمور الأساسية في البلد، وتستطيع معالجة الوضع المالي والنقدي والاقتصادي، وفي الوقت نفسه تعالج المسائل السياسية ذات الأولوية، لأن السياسة هي الحاضن لهذه الحكومة وتمنحها القوة".
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك